الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

فيه ثمان مسائل: الأُولى ـ قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ } الآية في سبب نزولها ثلاثة أقوال: قيل: نزلت في بني قُرَيْظة والنَّضِير قَتلَ قُرظِي نَضِيرياً وكان بنو النَّضِير إذا قَتلوا من بني قُرَيظة لم يُقِيدوهم، وإنما يعطونهم الدّية على ما يأتي بيانه، فتحاكموا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فحكم بالتسوية بين القُرَظيّ والنَّضِيريّ، فساءهم ذلك ولم يقبلوا. وقيل: إنها نزلت في شأن أبي لُبابة حين أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قُرَيظة فخانه حين أشار إليهم أنه الذبح. وقيل: إنها نزلت في زنى اليهوديين وقصة الرّجم وهذا أصح الأقوال رواه الأئمة مالك والبخاريّ ومسلم والترمذيّ وأبو داود. قال أبو داود عن جابر بن عبد الله " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: «ٱئتوني بأعلم رجلين منكم» فجاؤوا بابني صُورِيَا فنَشدَهما الله تعالى «كيف تجدان أمر هذين في التوراة»؟ قالا: نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأُوا ذكره في فرجها كالمِرود في المُكْحُلة رُجِما. قال: «فما يمنعكما أن ترجموهما» قالا: ذهب سلطاننا فكرهنا القتل. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بالشهود، فجاؤوا فشهدوا أنهم رأُوا ذكره في فرجها مثل المِيل في المُكْحُلة، فأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم برجمهما " وفي غير الصحيحين عن الشعبيّ عن جابر بن عبد الله قال: " زنى رجل من أهل فَدَك، فكتب أهل فَدَك إلى ناس من اليهود بالمدينة أن سَلُوا محمداً عن ذلك، فإن أمركم بالجلد فخذوه، وإن أمركم بالرجم فلا تأخذوه فسألوه فدعا بٱبن صُورِيَا وكان عالمهم وكان أعور فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَنْشدك الله كيف تجدون حدّ الزاني في كتابكم» فقال ٱبن صُورِيَا: فأما إذ ناشدتني الله فإنا نجد في التوراة أن النظر زَنْية، والاعتناق زَنْية، والقُبلة زَنْية، فإن شهد أربعة بأنهم رأُوا ذكره في فرجها مثل المِيل في المُكْحُلة فقد وجب الرّجم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هو ذاك» " وفي صحيح مسلم عن البَرَاء بن عازِب قال: " مُرَّ عَلَى النبي صلى الله عليه وسلم بيهوديّ مُحمَّماً مجلوداً، فدعاهم فقال: «هكذا تجدون حدّ الزاني في كتابكم» قالوا: نعم. فدعا رجلاً من علمائهم فقال: «أنْشُدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حدّ الزاني في كتابكم» قال: لا ـ ولولا أنك نشدتني بهذا لم أُخبرك ـ نجده الرّجم، ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحدّ، قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التَّحمِيم والجلد مكان الرجم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أوّل من أحيا أمرك إذ أماتوه»فأَمَر به فرجم "

السابقالتالي
2 3 4 5