الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

فيه سبع وعشرون مسئلة: الأُولى ـ قوله تعالى: { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا } الآية. لما ذكر تعالى أخذ الأموال بطريق السعي في الأرض والفساد، ذكر حكم السارق من غير حِراب على ما يأتي بيانه أثناء الباب وبدأ سبحانه بالسارق قبل السارقة عكس الزنى على ما نبينه آخر الباب. وقد قُطِع السارق في الجاهلية، وأوّل من حكم بقطعه في الجاهلية الوليد بن المُغيِرة، فأمر الله بقطعه في الإسلام، فكان أوّل سارق قطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام من الرجال الخِيَار بن عَديّ بن نوفل ابن عبد مناف، ومن النساء مُرَّة بنت سفيان بن عبد الأسد من بني مخزوم، وقطع أبو بكر يد اليمنيّ الذي سرق العِقْد وقطع عمر يد ٱبن سَمُرة أخي عبد الرحمن بن سمرة ولا خلاف فيه. وظاهر الآية العموم في كل سارق وليس كذلك لقوله عليه السلام: " لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعداً " فبين أنه إنما أراد بقوله: { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ } بعض السراق دون بعض فلا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار، أو فيما قيمته ربع دينار وهذا قول عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعليّ رضي الله عنهم، وبه قال عمر بن عبد العزيز والليث والشافعيّ وأبو ثور وقال مالك: تُقطَع اليد في ربع دينار أو في ثلاثة دراهم، فإن سرق درهمين وهو ربع دينار لانحطاط الصرف لم تقطع يده فيهما. والعُروضُ لا تقطع فيها إلا أن تبلغ ثلاثة دراهم قَلّ الصرفُ أو كَثُر فجعل مالك الذهب والورِق كل واحد منهما أصلاً بنفسه، وجعل تقويم العروض بالدراهم في المشهور. وقال أحمد وإسحاق: إن سرق ذهباً فربع دينار، وإن سرق غير الذهب والفضة فكانت قيمته ربع دينار أو ثلاثة دراهم من الورق. وهذا نحو ما صار إليه مالك في القول الآخر والحجة للأوّل حديث ٱبن عمر: أن رجلاً سرق حَجَفَة، فأتى به النبيّ صلى الله عليه وسلم فأمر بها فقوّمت بثلاثة دراهم. وجعل الشافعي حديث عائشة رضي الله عنها في الربع دينار أصلاً ردّ إليه تقويم العروض لا بالثلاثة دراهم على غلاء الذهب ورُخْصه، وترك حديث ٱبن عمر لما رآه ـ والله أعلم ـ من ٱختلاف الصحابة في المَجنّ الذي قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فٱبن عمر يقول: ثلاثة دراهم وٱبن عباس يقول: عشرة دراهم وأنس يقول: خمسة دراهم وحديث عائشة في الربع دينار حديث صحيح ثابت لم يختلف فيه عن عائشة إلا أن بعضهم وقفه، ورفعه من يَجِب العملُ بقوله لحفظه وعدالته قاله أبو عمر وغيره. وعلى هذا فإن بلغ العَرَض المسروق ربع دينار بالتقويم قُطع سارقه وهو قول إسحاق فقفْ على هذين الأصلين فهما عمدة الباب، وهما أصح ما قيل فيه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد