الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوۤاْ أَوْ يُصَلَّبُوۤاْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأَرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

فيه خمس عشرة مسئلة: الأُولى ـ ٱختلف الناس في سبب نزول هذه الآية فالذي عليه الجمهور أنها نزلت في العُرَنيين روى الأئمة واللفظ لأبي داود عن أنس بن مالك: أن قوماً من عُكْل ـ أو قال من عُرَيْنة ـ قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فٱجْتَوَوُا المدينة فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلِقاح وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها فانطلقوا، فلما صَحُّوا قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا النَّعَم فبلغ النبيّ صلى الله عليه وسلم خبرهم من أوّل النهار فأرسل في آثارهم فما ارتفع النهار حتى جيء بهم فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسَمَر أعينهم وألقوا في الحرة يَستسقُون فلا يُسقَون. قال أبو قِلابة: فهؤلاء قوم سَرقوا وقَتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله. وفي رواية: فأمر بمسامير فأحميت فكَحَلهم وقطع أيديهم وأرجلهم وما حَسَمهم وفي رواية: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم قافة فأُتي بهم قال: فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك: { إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً } الآية. وفي رواية قال أنس: فلقد رأيت أحدهم يَكْدِمُ الأرض بفيه عطشاً حتى ماتوا. وفي البخاريّ " قال جَرير بن عبد الله في حديثه: فبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من المسلمين حتى أدركناهم وقد أشرفوا على بلادهم، فجئنا بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال جَرير: فكانوا يقولون الماء، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «النار» " وقد حكى أهل التّواريخ والسِّير: أنهم قطعوا يدي الرّاعي ورجليه، وغَرزوا الشوك في عينيه حتى مات، وأُدخل المدينة ميتاً، وكان ٱسمه يَسار وكان نُوبياً. وكان هذا الفعل من المرتدّين سنة ست من الهجرة. وفي بعض الروايات عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرقهم بالنار بعد ما قتلهم. وروي عن ٱبن عباس والضحاك: أنها نزلت بسبب قوم من أهل الكتاب كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فنقضوا العهد وقطعوا السبيل وأفسدوا في الأرض. وفي مصنف أبي داود عن ٱبن عباس قال: { إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } إلى قوله: «غَفُورٌ رَحِيمٌ» نزلت هذه الآية في المشركين فمن أخِذ منهم قبل أن يُقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام عليه الحدّ الذي أصابه. وممن قال: إن الآية نزلت في المشركين عِكرمةُ والحسن، وهذا ضعيف يردّه قوله تعالى:قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } [الأنفال: 38] وقوله عليه الصلاة و السلام: " الإسلام يَهدِم ما قبله "

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8