الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ }

فيه أربع مسائل: الأولى ـ قوله تعالى: { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ }. أي سوَّلت وسهلت نفسه عليه الأمر وشجعته وصوّرت له أن قتل أخيه طوع سهل له يقال: طَاعَ الشيءُ يَطُوع أي سهل وٱنقاد. وطوّعه فلان له أي سهله. قال الهَرَوي: طوّعت وأَطاعت واحد يقال: طاع له كذا إذا أتاه طوعاً. وقيل: طاوعته نفسه في قتل أخيه فنزع الخافض فانتصب. وروي أنه جهل كيف يقتله فجاء إبليس بطائر ـ أو حيوان غيره ـ فجعل يَشْدَخ رأسه بين حجرين ليقتدي به قابيل ففعل قاله ٱبن جُرَيْج ومجاهد وغيرهما. وقال ٱبن عباس وٱبن مسعود: وجده نائماً فشدخ رأسه بحجر وكان ذلك في ثَوْر ـ جبل بمكة ـ قاله ٱبن عباس. وقيل: عند عَقَبة حِراء حكاه محمد بن جرير الطَّبَري. وقال جعفر الصادق: بالبصرة في موضع المسجد الأعظم. وكان لهابيل يوم قتله قابيل عشرون سنة. ويقال: إن قابيل كان يعرف القتل بطبعه لأن الإنسان وإن لم ير القتل فإنه يعلم بطبعه أن النفس فانية ويمكن إتلافها فأخذ حجراً فقتله بأرض الهند. والله أعلم. ولما قتله ندم فقعد يبكي عند رأسه إذ أقبل غرابان فٱقتتلا فقتل أحدهما الآخر ثم حفر له حفرة فدفنه ففعل القاتل بأخيه كذلك. والسوءة يراد بها العورة، وقيل: يراد بها جِيفة المقتول ثم إنه هرب إلى أرض عَدَن من اليمن، فأتاه إبليس وقال: إنما أكلت النار قُرْبان أخيك لأنه كان يعبد النار، فانصب أنت أيضاً ناراً تكون لك ولعقبك، فبنى بيت نار فهو أوّل من عبَد النار فيما قيل. والله أعلم. ورُوي عن ٱبن عباس، أنه لما قتله وآدم بمكة اشتاك الشجر، وتغيرت الأطعمة، وحمضت الفواكه، وملحت المياه، وٱغبرّت الأرض فقال آدم عليه السلام: قد حَدَث في الأرض حدث، فأتى الهند فإذا قابيل قد قتل هابيل. وقيل: إن قابيل هو الذي ٱنصرف إلى آدم، فلما وصل إليه قال له: أين هابيل؟ فقال: لا أدري كأنك وكلتني بحفظه. فقال له آدم: أفعلتها؟ٰ والله إن دمه لينادي اللهم ٱلعن أرضاً شربت دم هابيل. فروي أنه من حينئذ ما شربت أرض دماً. ثم إن آدم بقي مائة سنة لم يضحك، حتى جاءه مَلك فقال له: حَيَّاك الله يا آدم وبَيَّاك. فقال: ما بَيَّاك؟ قال: أضحكك قاله مجاهد وسالم بن أبي الجَعْد. ولما مضى من عمر آدم مائة وثلاثون سنة ـ وذلك بعد قتل هابيل بخمس سنين ـ ولدت له شيثاً، وتفسيره هبة الله، أي خلفاً من هابيل. وقال مقاتل: كان قبل قتل قابيل هابيل السباع والطيور تستأنس بآدم، فلما قتل قابيل هابيل هربوا فلحقت الطيور بالهواء، والوحوش بالبرية، و لحقت السباع بالغِياض.

السابقالتالي
2