الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

فيه ست وعشرون مسألة: الأُولىٰ ـ قوله تعالىٰ: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } تقدّم القول فيه في البقرة. الثانية ـ قوله تعالىٰ: { وَٱلْمُنْخَنِقَةُ } هي التي تموت خنقاً، وهو حبس النفس سواء فعل بها ذلك آدميّ أو ٱتفق لها ذلك في حبل أو بين عودين أو نحوه. وذكر قتادة: أن أهل الجاهلية كانوا يخنقون الشاة وغيرها فإذا ماتت أكلوها وذكر نحوه ٱبن عباس. الثالثة ـ قوله تعالىٰ: { وَٱلْمَوْقُوذَةُ } الموقوذة هي التي تُرمى أو تضرب بحجر أو عصا حتى تموت من غير تذكية عن ٱبن عباس وٱلحسن وقتادة وٱلضحاك وٱلسدّي يُقال منه: وَقَذَه يَقِذُه وَقْذاً وهو وَقِيذ. والوَقْذ شِدّة الضرب، وفلان وقيذ أي مثخن ضرباً. قال قتادة: كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك ويأكلونه. وقال الضحاك: كانوا يضربون الأنعام بالخشب لآلهتهم حتى يقتلوها فيأكلوها، ومنه المقتولة بقوس البندق. وقال الفرزدق:
شَغّارَة تَقِذ الفصيلَ بِرِجلها   فَطّارةٌ لِقَوَادِمِ الأبْكارِ
وفي صحيح مسلم " عن عديّ بن حاتم قال: قلت يا رسول الله فإني أرمي بالمِعْراض الصيد فأصيب فقال: «إذا رميت بالمِعراض فَخَزَق فكُلْه وإن أصابه بِعرضه فلا تأكله» " وفي رواية " فإنه وَقِيذ " قال أبو عمر: ٱختلف العلماء قديماً وحديثاً في الصيد بالبُنْدُق والحجر والمِعراض فمن ذهب إلى أنه وَقِيذ لم يُجزه إلاَّ ما أدرك ذكاته على ما روي عن ٱبن عمر، وهو قول مالك وأبي حنيفة وأصحابه والثوريّ والشافعي. وخالفهم الشاميون في ذلك قال الأوزاعي في المِعراض كُلْهُ خَزَق أو لم يَخزِق فقد كان أبو الدّرداء وَفَضَالة بن عبيد وعبد الله بن عمر ومكحول لا يرون به بأساً قال أبو عمر: هكذا ذكر الأوزاعيّ عن عبد الله بن عمر، والمعروف عن ٱبن عمر ما ذكره مالك عن نافع عنه. والأصل في هذا الباب والذي عليه العمل وفيه الحجة لمن لَجَأ إليه حديثُ عديّ بن حاتم وفيه " وما أصاب بعَرْضه فلا تأكله فإنما هو وَقِيذ ". الرابعة ـ قوله تعالىٰ: { وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ } المتردية هي التي تتردّى من العلو إلى السفل فتموت كان ذلك من جبل أو في بئر ونحوه وهي متفعِّلة من الردى وهو الهلاك وسواء تردَّت بنفسها أو ردّاها غيرها. وإذا أصاب السهم الصيد فتردّى من جبل إلى الأرض حرم أيضاً لأنه ربما مات بالصدمة والتردّي لا بالسهم ومنه الحديث: " وإن وجدته غريقاً في الماء فلا تأكله فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك " أخرجه مسلم. وكانت الجاهلية تأكل المتردّي ولم تكن تعتقد ميتة إلاَّ ما مات بالوجع ونحوه دون سبب يعرف فأما هذه الأسباب فكانت عندها كالذكاة فحصر الشرع الذكاة في صفة مخصوصة على ما يأتي بيانها، وبقيت هذه كلها ميتة، وهذا كله من ٱلمُحْكَم ٱلمتفق عليه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد