الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } * { إِنِّيۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ }

فيه مسألتان ـ الأولى ـ قوله تعالى: { لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ } الآية. أي لئن قصدت قتلي فأنا لا أقصد قتلك فهذا ٱستسلام منه. وفي الخبر: " إذا كانت الفتنة فكن كخير ٱبني آدم " وروى أبو داود " عن سعد بن أبي وقاص قال قلت يا رسول الله: إن دخل علي بيتي وبسط يده إلي ليقتلني؟ قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كن كخير ٱبني آدم» " وتلا هذه الآية: { لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي }. قال مجاهد: كان الفرض عليهم حينئذ ألاَّ يَسْتلّ أحد سيفاً، وألا يمتنع ممن يريد قتله. قال علمائنا: وذلك مما يجوز ورود التعبد به، إلا أن في شرعنا يجوز دفعه إجماعاً. وفي وجوب ذلك عليه خلاف، والأصح وجوب ذلك لما فيه من النهي عن المنكر. وفي الحشوية قوم لا يجوّزون للمصول عليه الدفع وٱحتجوا بحديث أبي ذَرّ، وحمله العلماء على ترك القتال في الفتنة، وكف اليد عند الشبهة على ما بيناه في كتاب «التذكرة» وقال عبدالله بن عمرو وجمهور الناس: كان هابيل أشدّ قوّة من قابيل ولكنه تحرج. قال ٱبن عطية: وهذا هو الأظهر، ومن ها هنا يقوى أن قابيل إنما هو عاصٍ لا كافر لأنه لو كان كافراً لم يكن للتحرج هنا وجه، وإنما وجه التحرج في هذا أن المتحرج يأبى أن يقاتل موحداً، ويرضى بأن يظلم ليجازى في الآخرة ونحو هذا فعل عثمان رضي الله عنه. وقيل: المعنى لا أقصد قتلك بل أقصد الدفع عن نفسي، وعلى هذا قيل: كان نائماً فجاء قابيل ورضخ رأسه بحجر على ما يأتي ومدافعة الإنسان عمن يريد ظلمه جائزة وإن أتى على نفس العادي. وقيل: لئن بدأت بقتلي فلا أبدأ بالقتل. وقيل: أراد لئن بسطت إلي يدك ظلماً فما أنا بظالم إني أخاف الله رب العالمين. الثانية ـ قوله تعالى: { إِنِّيۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ } قيل: معناه معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: " «إذا ٱلتقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» قيل: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: «إنه كان حريصاً على قتل صاحبه» " وكأن هابيل أراد أني لست بحريص على قتلك فالإثم الذي كان يلحقني لو كنت حريصاً على قتلك أريد أن تحمله أنت مع إثمك في قتلي.وقيل المعنى «بإثمي» الذي يختصُّ بي فيما فرَّطت أي يؤخذ من سيئاتي فتطرح عليك بسبب ظلمك لي، وتبوء بإثمك في قتلك وهذا يعضده قوله عليه الصلاة والسلام: " يؤتى يوم القيامة بالظالم والمظلوم فيؤخذ من حسنات الظالم فتزاد في حسنات المظلوم حتى ينتصف فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فتطرح عليه "

السابقالتالي
2