الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ }

فيه مسألتان: الأولى ـ قوله تعالى: { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ آدَمَ بِٱلْحَقِّ } الآية. وجه ٱتصال هذه الآية بما قبلها التنبيه من الله تعالى على أن ظلم اليهود، ونقضهم المواثيق والعهود كظلم ٱبن آدم لأخيه. المعنى: إن هَمَّ هؤلاء اليهود بالفَتْك بك يا محمد فقد قتلوا قبلك الأنبياء، وقتل قابيل هابيل، والشَّر قديم. أي ذكّرهم هذه القصّة فهي قصة صِدق، لا كالأحاديث الموضوعة وفي ذلك تَبْكِيتٌ لمن خالف الإسلام، وتسليةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم. وٱختلف في ٱبني آدم، فقال الحسن البصري: ليسا لصُلبه، كانا رجلين من بني إسرائيل ـ ضرب الله بهما المثل في إبانة حسد اليهود ـ وكان بينهما خصومة، فتقرّبا بقربانين ولم تكن القرابين إلا في بني إسرائيل. قال ٱبن عطية: وهذا وَهْمٌ، وكيف يجهل صورة الدّفن أحد من بني إسرائيل حتى يقتدي بالغراب؟ والصحيح أنهما ابناهُ لصلبه هذا قول الجمهور من المفسرين وقاله ٱبن عباس وٱبن عمر وغيرهما وهما قابيل وهابيل، وكان قربان قابيل حُزمة من سُنْبل ـ لأنه كان صاحب زرع ـ وٱختارها من أرْدإ زرعه، ثم إنه وجد فيها سنبلة طيبة ففركها وأكلها. وكان قربان هابيل كبشاً ـ لأنه كان صاحب غنم ـ أخذه من أجود غنمهِ. { فَتُقُبِّلَ } فَرُفِع إلى الجنّة، فلم يزل يرعى فيها إلى أن فُدِي به الذبيح عليه السلام قاله سعيد بن جُبَير وغيره. فلما تُقبل قربان هابيل لأنه كان مؤمناً ـ قال له قابيل حسداً: ـ لأنه كان كافراً ـ أتمشي على الأرض يراك الناس أفضل منيٰ؟ { لأَقْتُلَنَّكَ }. وقيل: سبب هذا القُرْبان أن حوّاء عليها السلام كانت تلد في كل بطن ذكراً وأنثى ـ إلاّ شيثاً عليه السلام فإنها ولدته منفرداً عوضاً من هابيل على ما يأتي، وٱسمه هبة الله لأن جبريل عليه السلام قال لحوّاء لما ولدته: هذا هبة الله لك بدل هابيل. وكان آدم يوم ولد شِيث ٱبن ثلاثين ومائة سنة ـ وكان يزوّج الذكر من هذا البطن الأنثى من البطن الآخر، ولا تحل له أخته تَوْءمته فولدت مع قابيل أختاً جميلة وآسمها إقليمياء، ومع هابيل أختاً ليست كذلك وآسمها ليوذا فلما أراد آدم تزويجهما قال قابيل: أنا أحق بأختي، فأمره آدم فلم يأتمر، وزجره فلم ينزجر فاتفقوا على التقريب قاله جماعة من المفسرين منهم ٱبن مسعود. وروى أن آدم حَضَر ذلك. والله أعلم. وقد روي في هذا الباب عن جعفر الصادق: أن آدم لم يكن يزوّج ٱبنته من ٱبنه ولو فعل ذلك آدم لما رغب عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا كان دين آدم إلا دين النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الله تعالى لما أهبط آدم وحوّاء إلى الأرض وجمع بينهما ولدت حوّاء بنتاً فسماها عناقاً فبغت، وهي أوّ ل من بَغَى على وجه الأرض فَسَلط الله عليها من قتلها، ثم ولدت لآدم قابيل، ثم ولدت له هابيل فلما أدرك قابيل أظهر الله له جنيَّة من ولد الجن، يُقال لها جمالة في صورة إنسيَّة، وأوحى الله لآدم أن زوجها من قابيل فزوجها منه فلما أدرك هابيل أهبط الله إلى آدم حُورِية في صفة إنسية وخلق لها رحماً، وكان ٱسمها بزلة، فلما نظر إليها هابيل أحبها فأوحى الله إلى آدم أن زوّج بزلة من هابيل ففعل.

السابقالتالي
2