الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَٱلَمِينَ } * { يَٰقَوْمِ ٱدْخُلُوا ٱلأَرْضَ ٱلمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَٰسِرِينَ } * { قَالُوا يَامُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ } * { قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمَا ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوۤاْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } * { قَالُواْ يَامُوسَىۤ إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّي لاۤ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } * { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ }

قوله تعالىٰ: { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ }. تبيين من الله تعالىٰ أن أسلافهم تمرّدوا على موسى وعصَوه فكذلك هؤلاء على محمد عليه السَّلام، وهو تسلية له أي يا أيها الذين آمنوا ٱذكروا نعمة الله عليكم، وٱذكروا قصة موسى. ورُوي عن عبد الله بن كَثير أنه قرأ «يَاقَوْمُ ٱذْكُرُواْ» بضم الميم، وكذلك ما أشبهه وتقديره يا أيها القوم. { إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ } لم ينصرف لأنه فيه ألف التأنيث. { وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً } أي تملكون أمركم لا يغلبكم عليه غالب بعد أن كنتم مملوكين لفرعون مقهورين، فأنقذكم منه بالغرق، فهم ملوك بهذا الوجه، وبنحوه فسر السّديّ والحسن وغيرهما. قال السُّدّيّ: ملك كل واحد منهم نفسه وأهله وماله. وقال قَتَادة: إنما قال: { وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً } لأنا كنا نتحدّث أنهم أوّل من خُدِم من بني آدم. قال ٱبن عطية: وهذا ضعيف لأن القبط قد كانوا يستخدمون بني إسرائيل، وظاهر أمر بني آدم أن بعضهم كان يُسخّر بعضاً مذ تناسلوا وكثروا، وإنما ٱختلفت الأُمم في معنى التمليك فقط. وقيل: جعلكم ذوي منازل لا يُدخل عليكم إلاَّ بإذن رُوي معناه عن جماعة من أهل العلم. قال ٱبن عباس: إنّ الرجل إذا لم يدخل أحد بيته إلاَّ بإذنه فهو ملِك. وعن الحسن أيضاً وزيد بن أسلم أن من كانت له دار وزوجة وخادم فهو ملِك وهو قول عبد الله بن عمرو كما في صحيح مسلم عن أبي عبد الرّحمٰن الحُبُلِيّ قال سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص وسأله رجل فقال: ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال له عبد الله: ألك ٱمرأة تأوي إليها؟ قال نعم. قال: ألك منزل تسكنه؟ قال: نعم. قال: فأنت من الأغنياء. قال: فإنّ لي خادماً. قال: فأنت من الملوك. قال ٱبن العربي: وفائدة هذا أن الرجل إذا وجبت عليه كفّارة ومَلَك داراً وخادماً باعهما في الكفّارة ولم يجز له الصيام، لأنه قادر على الرقبة والملوك لا يكفرون بالصيام، ولا يوصفون بالعجز عن الإعتاق. وقال ابن عباس ومجاهد: جعلهم ملوكاً بالمَنّ والسَّلوى والحَجَر والغَمَام، أي هم مخدومون كالملوك. وعن ابن عباس أيضاً يعني الخادم والمنزل وقاله مجاهد وعِكرمة والحكم بن عُيَيْنة، وزادوا الزوجة وكذا قال زيد بن أسلم ـ إلاَّ أنه قال فيما يعلم ـ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: " من كان له بيت ـ أو قال منزل ـ يأوي إليه وزوجة وخادم يخدمه فهو ملِك " ذكره النحاس. ويُقال: من استغنى عن غيره فهو ملِك وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم: " من أصبح آمناً في سِربه معافى في بدنه وله قوت يومه فكأنما حِيزت له الدنيا بحذافِيرها ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8