الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ }

قوله تعالىٰ: { يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ } يُقال: ما وجه ٱتصال هذه الآية بما قبلها؟ فالجواب ـ أنه ٱتصال الزجر عن الإظهار خلاف الإبطان في وصية أو غيرها مما ينبىء أن المجازِي عليه عالمٌ به. و «يَوْمَ» ظرف زمان والعامل فيه «وٱسْمَعُوا» أي واسمعوا خبر يوم. وقيل: التقدير وٱتقوا يوم يجمع الله الرسل عن الزجاج. وقيل: التقدير ٱذكروا أو ٱحذروا يوم القيامة حين يجمع الله الرسل، والمعنى متقارب والمراد التهديد والتخويف. { فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ } أي ما الذي أجابتكم به أُممكم؟ وما الذي ردّ عليكم قومكم حين دعوتموهم إلى توحيدي؟. { قَالُواْ } أي فيقولون: { لاَ عِلْمَ لَنَآ }. واختلف أهل التأويل في المعنى المراد بقولهم: «لاَ عِلْمَ لَنَا» فقيل: معناه لا علم لنا بباطن ما أجاب به أُممنا لأن ذلك هو الذي يقع عليه الجزاء وهذا مرويّ عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: المعنى لا علم لنا إلاَّ ما علمتنا، فحذف عن ٱبن عباس ومجاهد بخلاف. وقال ٱبن عباس أيضاً: معناه لا علم لنا إلاَّ علم أنت أعلم به منا. وقيل: إنهم يَذْهَلُونَ من هول ذلك ويفزعون من الجواب، ثم يجيبون بعدما تثوب إليهم عقولهم فيقولون: «لاَ عِلْمَ لَنَا» قاله الحسن ومجاهد والسدي. قال النحاس: وهذا لا يصح لأن الرسل صلوات الله عليهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. قلت: هذا في أكثر مواطن القيامة ففي الخبر " إن جهنم إذا جِيءَ بها زَفَرت زفرة فلا يبقى نبيّ ولا صِدّيق إلاَّ جَثَا لركبتيه " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خوّفني جبريل يوم القيامة حتى أبكاني فقلت يا جبرائيل ألم يغفر لي ما تقدّم من ذنبي وما تأخر؟ فقال لي يا محمد لتشهدنّ من هَوْل ذلك اليوم ما يُنسيك المغفرة ". قلت: فإن كان السؤال عند زفرة جهنم ـ كما قاله بعضهم ـ فقول مجاهد والحسن صحيح والله أعلم. قال النحاس: والصحيح في هذا أن المعنى: ماذا أجِبتم في السر والعلانية ليكون هذا توبيخاً للكفار فيقولون: لا علم لنا فيكون هذا تكذيباً لمن ٱتخذ المسيح إلهاً. وقال ابن جريح: معنى قوله: { مَاذَآ أُجِبْتُمْ } ماذا عملوا بعدكم؟ قالوا: { لاَ عِلْمَ لَنَآ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ }. قال أبو عبيد: ويشبه هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يرد عليّ أقوام الحوض فيختلجون فأقول أمتي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " وكسر الغين من الغيوب حمزة والكسائي وأبو بكر، وضم الباقون. قال الماورديّ فإن قيل: فلم سألهم عما هو أعلم به منهم؟ فعنه جوابان: أحدهما ـ أنه سألهم ليعلمهم ما لم يعلموا من كفر أممهم ونفاقهم وكذبهم عليهم من بعدهم. الثاني ـ أنه أراد أن يفضحهم بذلك على رؤوس الأشهاد ليكون ذلك نوعاً من العقوبة لهم.