الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ } * { فَإِنْ عُثِرَ عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا ٱعْتَدَيْنَآ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ أَوْ يَخَافُوۤاْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَٱسْمَعُواْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ }

فيه سبع وعشرون مسألة: الأُولى ـ قال مكيّ ـ رحمه الله ـ: هذه الآيات الثلاث عند أهل المعاني من أشكل ما في القرآن إعراباً ومعنى وحُكماً قال ٱبن عطية: هذا كلام من لم يقع له الثلجُ في تفسيرها وذلك بيّن من كتابه رحمه الله. قلت: ما ذكره مكيّ ـ رحمه الله ـ ذكره أبو جعفر النحاس قبلَه أيضاً، ولا أعلم خلافاً أن هذه الآيات نزلت بسبب تميم الدارِيّ وعديّ بن بَدّاء. روى البخاريّ والدارقطنيّ وغيرهما عن ٱبن عباس قال: " كان تميم الدارِيّ وعدِيّ بن بدَّاء يختلفان إلى مكة، فخرج معهما فتًى من بني سهم فتُوفّي بأرض ليس بها مسلم، فأوصى إليهما فدفعا تركته إلى أهله وحبسا جاماً من فضة مخوَّصاً بالذهب، فاستحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما كتمتما ولا ٱطلعتما» ثم وُجد الجامُ بمكة فقالوا: اشتريناه من عَدِي وتَميم، فجاء رجلان من ورثة السهميّ فحلفا أن هذا الجام للسهميّ، ولَشهادتنا أحق من شهادتهما وما ٱعتدينا قال: فأخذوا الجام وفيهم نزلت هذه الآية " لفظ الدّارَقُطنيّ. وروى الترمذيّ عن تميم الدارِيّ في هذه الآية. { يِا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ } بَرِىء منها الناس غيري وغير عديّ بن بَدّاء ـ وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام، فأتَيَا الشام بتجارتهما، وقدم عليهما مولىً لبني سهم يقال له: بُدَيل ابن أبي مريم بتجارة، ومعه جَامٌ من فضة يريد به الملِك، وهو عُظْم تجارته، فمرض فأوصى إليهما، وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهلَه قال تميم: فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم ثم اقتسمناها أنا وعديّ بن بدّاء، فلما قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا، وفقدوا الجام فسألونا عنه فقلنا: ما ترك غير هذا، وما دفع إلينا غيره قال تميم: فلما أسلمت بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة تأثّمت من ذلك، فأتيت أهله وأخبرتهم الخبر، وأدّيت إليهم خمسمائة درهم، وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها، فأتوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم البينة فلم يجدوا، فأمرهم أن يستحلفوه بما يقطع به على أهل دينه، فحلف فأنزل الله عز وجل { يِا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ } إلى قوله { بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ } فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم فحلفا فنزعت الخمسمائة من يدي عدِيّ بن بدّاء. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب وليس إسناده بصحيح. وذكر الواقديّ أن الآيات الثلاث نزلت في تميم وأخيه عديّ، وكانا نصرانيين، وكان متجرهما إلى مكة، فلما هاجر النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قدم ٱبن أبي مريم مولى عمرو بن العاص المدينة وهو يريد الشام تاجراً، فخرج مع تميم وأخيه عديّ وذكر الحديثَ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد