الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

فيه أربع مسائل: الأُولى ـ قال علماؤنا: وجه ٱتصال هذه الآية بما قبلها التحذير مما يجب أن يحذر منه، وهو حال من تقدّمت صفته ممن رَكَن في دينه إلى تقليد آبائه وأسلافه. وظاهر هذه الآية يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس القيام به بواجب إذا ٱستقام الإنسان، وأنه لا يؤاخذ أحدٌ بذنب غيره، لولا ما ورد من تفسيرها في السنة وأقاويل الصحابة والتابعين على ما نذكره بحول الله تعالى. الثانية ـ قوله تعالى: { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } معناه احفظوا أنفسكم من المعاصي تقول عليك زيداً بمعنى الزم زيداً ولا يجوز عليه زيداً، بل إنما يجري هذا في المخاطبة في ثلاثة ألفاظ عليك زيداً أي خذ زيداً، وعندك عمراً أي حضرك، ودونك زيداً أي قَرُب منك وأنشد:
يا أيّها المَائِحُ دَلْوِي دُونَكَا   
وأما قوله: عليه رجلاً لَيْسَنِي، فشاذّ. الثالثة ـ روى أبو داود والترمذيّ وغيرهما عن قيس قال: خطبنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال: إنكم تقرؤون هذه الآية وتتأولونها على غير تأويلها «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا ٱهْتَدَيْتُمْ» وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الناس إذا رأُوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده " قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح قال إسحاق بن إبراهيم سمعت عمرو بن عليّ يقول سمعت وَكِيعاً يقول: لا يصح عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا حديث واحد، قلت: ولا إسماعيل عن قيس، قال: إن إسماعيل روى عن قيس موقوفاً. قال النقاش: وهذا إفراط من وَكِيع رواه شعبة عن سفيان وإسحاق عن إسماعيل مرفوعاً وروى أبو داود والترمذي وغيرهما " عن أبي أُمية الشعبانيّ قال: أتيت أبا ثعلبة الخشنيّ فقلت له: كيف تصنع بهذه الآية؟ فقال: أية آية؟ قلت قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } قال أما واللَّهِ لقد سألتَ عنها خبيراً، سألتُ عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «بل ٱئتمروا بالمعروف وتَناهوا عن المنكر حتى إذا رأيتَ شُحّا مُطاعاً وهَوًى مُتَّبعاً ودنيا مُؤثَرة وإعجابَ كلِّ ذي رأي برأيه فعليك بخاصّة نفسك ودع عنك أمر العامّة فإنّ من ورائكم أياماً الصبرُ فيهنّ مثلُ القبض على الجمر للعامل فيهنّ مثلُ أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم» " " وفي رواية قيل: يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم؟ قال: «بل أجر خمسين منكم» " قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. قال ابن عبد البر قوله:

السابقالتالي
2 3