الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

قوله تعالىٰ: { قُل لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ }. فيه ثلاث مسائل: الأُولىٰ ـ قال الحسن: «الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ» الحلال والحرام. وقال السُّديّ: المؤمن والكافر. وقيل: المطيع والعاصي. وقيل: الرديء والجيد وهذا على ضرب المثال. والصحيح أن اللفظ عام في جميع الأُمور، يُتصوَّر في المكاسب والأعمال، والناس، والمعارف من العلوم وغيرها فالخبيث من هذا كله لا يُفلح ولا يُنْجِب، ولا تَحسن له عاقبة وإن كثر، والطيّب وإن قلّ نافع جميل العاقبة. قال الله تعالىٰ:وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَٱلَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً } [الأعراف: 58]. ونظير هذه الآية قوله تعالىٰ:أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِي ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ } [صۤ: 28] وقوله:أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [الجاثية: 21] فالخبيث لا يساوي الطيّب مقداراً ولا إنفاقاً، ولا مَكاناً ولا ذَهَاباً، فالطيّب يأخذ جهة اليمين، والخبيث يأخذ جهة الشّمال، والطيّب في الجنّة، والخبيث في النار. وهذا بيّن. وحقيقة الاستواء الاستمرار في جهة واحدة، ومثله الاستقامة وضدّها الاعوجاج. ولما كان هذا وهي: الثانية ـ قال بعض علمائنا: إنّ البيع الفاسد يُفسَخ ولا يُمضَى بحَوالة سُوق، ولا بتغير بدن، فيستوي في إمضائه مع البيع الصحيح، بل يُفْسخ أبداً، ويُردّ الثمن على المبتاع إن كان قبضه، وإن تلف في يده ضمنه لأنه لم يقبضه على الأمانة، وإنما قبضه بشبهة عقد. وقيل: لا يُفسَخ نظراً إلى أن البيع إذا فُسخ وردّ بعد الفوت يكون فيه ضرر وغَبْن على البائع، فتكون السلعة تساوي مائة وتردّ عليه وهي تساوي عشرين، ولا عقوبة في الأموال. والأوّل أصح لعموم الآية، ولقوله عليه السَّلام: " من عَمِل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رَدٌّ ". قلت: وإذا تُتبع هذا المعنى في عدم الاستواء في مسائل الفقه تعدّدت وكثرت، فمن ذلك الغاصب وهي: الثالثة ـ إذا بنى في البقعة المغصوبة أو غَرَس فإنه يلزمه قلع ذلك البناء والغرس لأنه خبيث، ورَدّها خلافاً لأبي حنيفة في قوله: لا يَقلع ويأخذ صاحبها القيمة. وهذا يَرده قوله عليه السَّلام: " ليس لِعْرقٍ ظالمٍ حقٌّ " قال هشام: العرق الظَّالم أن يَغْرِس الرجل في أرض غيره ليستحقّها بذلك. قال مالك: العِرْق الظالم كل ما أخذ وٱحتفر وغُرس في غير حق. قال مالك: من غَصَب أرضاً فزرعها، أو أَكْرَاها، أو داراً فسكنها أو أَكْرَاها، ثم استحقها ربها أن على الغاصب كراء ما سكن وردّ ما أخذ في الكِراء. واختلف قوله إذا لم يسكنها أو لم يزرع الأرض وعطّلها فالمشهور من مذهبه أنه ليس عليه فيه شيء وقد روي عنه أنه عليه كِراء ذلك كله.

السابقالتالي
2