الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ }

فيه عشر مسائل: الأولى ـ قوله تعالى: { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } روَى الْمُعْتَمِر بن سليمان عن أنس بن مالك قال: قلت: يا نبيّ الله، لو أتيت عبد لله ابن أُبَيّ؟ فانطلق إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم، فركب حماراً وٱنطلق المسلمون يمشون، وهي أرض سَبِخة فلما أتاه النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إليك عني! فوالله لقد أذاني نَتْن حمارك. فقال رجل من الأنصار: والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحاً منك. فغضب لعبد الله رجل من قومه، وغضب لكل واحد منهما أصحابه فكان بينهم حرب بالجريد والأيدي والنعال فبلغنا أنه أنزل فيهم هذه الآية. وقال مجاهد: نزلت في الأوس والخزرج. قال مجاهد: تقاتل حيّان من الأنصار بالعصي والنعال فنزلت الآية. ومثله عن سعيد بن جبير: أن الأوس والخزرج كان بينهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قتال بالسَّعف والنعال ونحوه فأنزل الله هذه الآية فيهم. وقال قتادة: نزلت في رجلين من الأنصار كانت بينهما مدارأة في حق بينهما فقال أحدهما: لآخذن حقي عَنوة لكثرة عشيرته. ودعاه الآخر إلى أن يحاكمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يتبعه فلم يزل الأمر بينهما حتى تواقعا وتناول بعضهم بعضاً بالأيدي والنعال والسيوف، فنزلت هذه الآية. وقال الكلبي: نزلت في حرب سُمير وحاطب، وكان سُمير قتل حاطباً، فاقتتل الأوس والخزرج حتى أتاهم النبيّ صلى الله عليه وسلم فنزلت. وأمر الله نبيّه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أن يصلحوا بينهما. وقال السُّدّي: كانت امرأة من الأنصار يقال لها: «أم زيد» تحت رجل من غير الأنصار، فتخاصمت مع زوجها، أرادت أن تزور قومها فحبسها زوجها وجعلها في عُلِّيّة لا يدخل عليها أحد من أهلها، وأن المرأة بعثت إلى قومها، فجاء قومها فأنزلوها لينطلقوا بها، فخرج الرجل فاستغاث أهله فخرج بنو عمه ليحولوا بين المرأة وأهلها، فتدافعوا وتجالدوا بالنعال فنزلت الآية. والطائفة تتناول الرجل الواحد والجمع والاْثنين، فهو مما حمل على المعنى دون اللفظ، لأن الطائفتين في معنى القوم والناس. وفي قراءة عبد الله «حَتَّى يَفِيئُوا إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإنْ فَاءُوا فخذوا بينهم بِالقِسطِ». وقرأ ابن أبي عَبْلَة «اقتتلتا» على لفظ الطائفتين. وقد مضى في آخر «براءة» القول فيه. وقال ابن عباس في قوله عز وجل:وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [النور: 2] قال: الواحد فما فوقه، والطائفة من الشيء القطعة منه. { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } بالدعاء إلى كتاب الله لهما أو عليهما { فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ } تعدّت ولم تجب إلى حكم الله وكتابه. والبغي: التطاول والفساد. { فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ } أي ترجع إلى كتابه { فَإِن فَآءَتْ } رجعت { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ } أي احملوهما على الإنصاف.

السابقالتالي
2 3 4 5 6