الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ }

فيه ست مسائل: الأولى ـ قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ } روى البخاريّ والترمذيّ عن ٱبن أبي مُليكة قال: حدثني عبد الله بن الزبير أن الأقرع بن حابس قدِم على النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: يا رسول الله استعمله على قومه فقال عمر: لا تستعمله يا رسول الله فتكلما عند النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى ارتفعت أصواتهما فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي. فقال عمر: ما أردت خلافك قال: فنزلت هذه الآية: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ } قال: فكان عمر بعد ذلك إذا تكلم عند النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يسمع كلامه حتى يُستفهمه. قال: وما ذكر ابن الزبير جدّه يعني أبا بكر. قال: هذا حديث غريب حسن. وقد رواه بعضهم عن ٱبن أبي مليكة مرسلاً، لم يذكر فيه عن عبد الله بن الزبير. قلت: هو البخاري، قال: عن ٱبن أبي مُليكة كاد الخيِّران أن يهلكا: أبو بكر وعمر، رفعا أصواتهما عند النبيّ صلى الله عليه وسلم حين قدِم عليه ركب بني تميم فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مُجاشِع، وأشار الآخر برجل آخر فقال نافع: لا أحفظ اسمه، فقال أبو بكر لعمر: ما أردتَ إلا خلافي. فقال: ما أردتُ خلافك. فارتفعت أصواتهما في ذلك فأنزل الله عز وجل: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ } الآية. فقال ٱبن الزبير: فما كان عمر يُسمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه. ولم يذكر ذلك عن أبيه يعني أبا بكر الصديق. وذكر المهدويّ عن عليّ رضي الله عنه: نزل قوله: { لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ } فينا لما ٱرتفعت أصواتنا أنا وجعفر وزيد بن حارثة، نتنازع ٱبنة حمزة لما جاء بها زيد من مكة فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لجعفر لأن خالتها عنده. وقد تقدم هذا الحديث في «آل عمران». وفي الصحيحين " عن أنس بن مالك: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس فقال رجل: يا رسول الله، أنا أعلم لك عِلْمَهُ فأتاه فوجده جالساً في بيته مُنَكِّساً رأسه فقال له: ما شأنك؟ فقال: شَر! كان يرفع صوته فَوْقَ صوتِ النبيّ صلى الله عليه وسلم فقد حبِط عمله وهو من أهل النار. فأتى الرجل النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه قال كذا وكذا. فقال موسى: فرجع إليه المرة الآخرة ببشارة عظيمة فقال: «اذهب إليه فقل له إنك لستَ من أهل النار ولكنك من أهل الجنة» "

السابقالتالي
2 3 4