الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }

فيه خمس مسائل: الأولى ـ قوله تعالى: { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ } «مُحَمَّدٌ» مبتدأ و «رَسُولُ» خبره. وقيل: «مُحَمَّدٌ» ابتداء و «رَسُولُ اللَّهِ» نعته. { وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } عطف على المبتدأ، والخبر فيما بعده فلا يوقف على هذا التقدير على «رَسُولُ اللَّهِ». وعلى الأول يوقف على «رَسُولُ اللَّهِ» لأن صفاته عليه السلام تزيد على ما وصف أصحابه فيكون «مُحَمَّدٌ» ابتداء و «رَسُولُ اللَّهِ» الخبر «وَالَّذِينَ مَعَهُ» ابتداء ثان. و «أَشِدَّاءُ» خبره و «رُحَمَاءُ» خبر ثان. وكون الصفات في جملة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هو الأشبه. قال ابن عباس: أهل الحديبية أشداء على الكفار أي غلاظ عليهم كالأسد على فريسته. وقيل: المراد بـ «ـالَّذِينَ مَعَهُ» جميع المؤمنين. { رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } أي يرحم بعضهم بعضاً. وقيل: متعاطفون متوادّون. وقرأ الحسن «أشداء على الكفار رحماء بينهم» بالنصب على الحال، كأنه قال: والذين معه في حال شدّتهم على الكفار وتراحمهم بينهم. { وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً } إخبار عن كثرة صلاتهم. { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً } أي يطلبون الجنة ورضا الله تعالى. الثانية ـ قوله تعالى: { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ } السيما العلامة وفيها لغتان: المد والقصر أي لاحت علامات التهجُّد بالليل وأمارات السهر. وفي سنن ابن ماجه قال: حدّثنا إسماعيل بن محمد الطلخي قال حدّثنا ثابت بن موسى أبو يزيد عن شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار " وقال ابن العربي: ودَسّه قوم في حديث النبيّ صلى الله عليه وسلم على وجه الغلط، وليس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فيه ذكر بحرف. وقد روى ٱبن وهب عن مالك «سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ» ذلك مما يتعلق بجباههم من الأرض عند السجود وبه قال سعيد بن جبير. وفي الحديث الصحيح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: صلى صبيحة إحدى وعشرين من رمضان وقد وَكَفَ المسجد وكان على عريش فٱنصرف النبيّ صلى الله عليه وسلم من صلاته وعلى جبهته وأرنبته أثر الماء والطين. وقال الحسن: هو بياض يكون في الوجه يوم القيامة. وقاله سعيد بن جبير أيضاً، ورواه العَوْفي عن ابن عباس، قاله الزهري. وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة، وفيه: " حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يُخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار مَن كان لا يشرك بالله شيئاً ممن أراد الله أن يرحمه ممن يقول لا إلٰه إلا الله فيعرفونهم في النار بأثر السجود تأكل النار ابن آدم إلا أثر السجود حرّم الله على النار أن تأكل أثر السجود "

السابقالتالي
2 3 4 5 6