الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ وَكَانُوۤاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }

العامل في «إِذْ» قوله تعالى: «لَعَذَّبْنَا» أي لعذبناهم إذ جعلوا هذا. أو فعل مضمر تقديره واذكروا. { ٱلْحَمِيَّةَ } فعِيلة وهي الأَنَفة. يقال: حَمِيت عن كذا حَمِيّة بالتشديد ومَحْمِيّة إذا أنِفْت منه وداخلك عار وأنفة أن تفعله. ومنه قول المتلمّس:
ألاَ إنني منهم وعِرْضِي عِرْضُهم   كذِي الأنْفِ يحمي أنفَه أن يُكَشّمَا
أي يمنع. قال الزهريّ: حَمِيَّتُهم أنفتهم من الإقرار للنبيّ صلى الله عليه وسلم بالرسالة والاستفتاح ببسم الله الرحمٰن الرحيم، ومنعهم من دخول مكة. وكان الذي ٱمتنع من كتابة بسم الله الرحمٰن الرحيم ومحمد رسول الله: سهيل بن عمرو على ما تقدّم. وقال ابن بحر: حمِيّتهم عصبيّتهم لآلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله تعالى، والأنفة من أن يعبدوا غيرها. وقيل: «حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ» إنهم قالوا: قتلوا أبناءنا وإخواننا ثم يدخلون علينا في منازلنا واللات والعُزَّى لا يدخلها أبداً. { فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ } أي الطمأنينة والوقار { عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ }. وقيل: ثبتهم على الرضا والتسليم، ولم يدخل قلوبهم ما أدخل قلوب أولئك من الحمية { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ } قيل: لا إلٰه إلا الله. روي مرفوعاً من حديث أُبَيّ بن كعب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وهو قول عليّ وابن عمر وابن عباس، وعمرو بن ميمون ومجاهد وقتادة وعكرمة والضحاك، وسلمة بن كُهيل وعبيد بن عمير وطلحة بن مُصَرِّف، والربيع والسّدي وابن زيد. وقاله عطاء الخراساني، وزاد «محمد رسول الله». وعن عليّ وابن عمر أيضاً هي لا إلٰه إلا الله والله أكبر. وقال عطاء بن أبي رباح ومجاهد أيضاً: هي لا إلٰه إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وقال الزهريّ: بسم الله الرحمٰن الرحيم. يعني أن المشركين لم يُقِرّوا بهذه الكلمة فخص الله بها المؤمنين. و «كَلِمَةَ التَّقْوَى» هي التي يتَّقى بها من الشرك. وعن مجاهد أيضاً أن «كَلِمَةَ التَّقْوَى» الإخلاص. { وَكَانُوۤاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا } أي أحق بها من كفار مكة لأن الله تعالى اختارهم لدينه وصحبة نبيه. { وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }.