الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }

قوله تعالى: { هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ }. فيه ثلاث مسائل: الأولى ـ قوله تعالى: { هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني قريشاً، منعوكم دخول المسجد الحرام عامَ الحُدَيْبِيَة حين أحرم النبيّ صلى الله عليه وسلم مع أصحابه بعُمْرة، ومنعوا الهَدْيَ وحبسوه عن أن يبلغ مَحِلّه. وهذا كانوا لا يعتقدونه، ولكنه حملتهم الأنَفة ودعتهم حَمِيَّة الجاهلية إلى أن يفعلوا ما لا يعتقدونه دِيناً، فوبّخهم الله على ذلك وتوعّدهم عليه، وأدخل الأُنس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيانه ووعده. الثانية ـ قوله تعالى: { وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً } أي محبوساً. وقيل موقوفاً. وقال أبو عمرو بن العلاء: مجموعاً. الجوهري: عكفه أي حبسه ووقفه، يَعْكِفه ويَعْكُفه عَكْفاً ومنه قوله تعالى: { وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً } يقال: ما عكفك عن كذا. ومنه الاْعتكاف في المسجد وهو الاحتباس. { أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ } أي منحره قاله الفراء. وقال الشافعي رضي الله عنه: الحَرَم. وكذا قال أبو حنيفة رضي الله عنه، المُحْصَر محلّ هَدْيه الحَرَم. والمَحِلّ بكسر الحاء: غاية الشيء. وبالفتح: هو الموضع الذي يحله الناس. وكان الهَدْيُ سبعين بَدَنة، ولكن الله بفضله جعل ذلك الموضع له مَحِلاً. وقد ٱختلف العلماء في هذا على ما تقدّم بيانه في «البقرة» عند قوله تعالى:فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } [البقرة: 196] والصحيح ما ذكرناه. وفي صحيح مسلم عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: نَحَرْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عامَ الحديبية البَدَنَة عن سبعة، والبقرةَ عن سبعة. وعنه قال: اشتركنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج والعُمْرة كلُّ سبعة في بدنة. فقال رجل لجابر: أَيُشْتَرَك في البدنة ما يشترك في الجَزُور؟ قال: ما هي إلا من البُدْن. وحضر جابر الحديبية قال: ونحرنا يومئذ سبعين بدنة، اشتركنا كل سبعة في بدنة. وفي البخاري عن ابن عمر قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمرين فحال كفار قريش دون البيت، فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنة وحلق رأسه. قيل: إن الذي حلق رأسه يومئذ خِراش بن أميّة بن أبي العيص الخزاعي، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن ينحروا ويحلّوا ففعلوا بعد توقُّف كان منهم أغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت له أم سلمة: لو نحرت لنحروا فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هَدْيه ونحروا بنحره، " وحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه ودعا للمُحَلِّقين ثلاثاً وللمقصِّرين مرة. ورأى كعب بن عُجْرَة والقَمْل يسقط على وجهه فقال: «أيؤذيك هوامّك»؟ قال نعم فأمره أن يحلق وهو بالحديبية " خرجه البخاري والدَّارَقُطْنِي. وقد مضى في «البقرة».

السابقالتالي
2 3 4