الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ ٱللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً }

فيه أربع مسائل: الأولى ـ قوله تعالى: { قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ } أي قل لهؤلاء الذين تخلّفوا عن الحديبِية { سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } قال ابن عباس وعطاء بن أبي رباح ومجاهد وٱبن أبي لَيْلَى وعطاء الخراساني: هم فارس. وقال كعب والحسن وعبد الرحمٰن بن أبي لَيْلَى: الروم. وعن الحسن أيضاً: فارس والروم. وقال ٱبن جُبَير: هوازن وثقِيف. وقال عكرمة: هوازن. وقال قتادة: هوازن وغَطَفان يوم حُنين. وقال الزُّهْري ومقاتل: بنو حنيفة أهل اليمامة أصحاب مُسَيْلِمة. وقال رافع بن خَديج: والله لقد كنا نقرأ هذه الآية فيما مضى { سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } فلا نعلم مَن هم حتى دعانا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة فعلمنا أنهم هم. وقال أبو هريرة: لم تأت هذه الآية بعدُ. وظاهر الآية يردّه. الثانية ـ في هذه الآية دليل على صحة إمامة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لأن أبا بكر دعاهم إلى قتال بني حنيفة، وعمر دعاهم إلى قتال فارس والروم. وأما قول عكرمة وقتادة إن ذلك في هوازن وغطفان يوم حنين فلا، لأنه يمتنع أن يكون الداعي لهم الرسول عليه السلام، لأنه قال: " لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا " فدلّ على أن المراد بالداعي غير النبي صلى الله عليه وسلم. ومعلوم أنه لم يدع هؤلاء القوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. الزَّمَخْشَرِي: فإن صحّ ذلك عن قتادة فالمعنى لن تخرجوا معي أبداً ما دمتم على ما أنتم عليه من مرض القلوب والاضطراب في الدِّين. أو على قول مجاهد كان الموعد أنهم لا يتبعون رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا متطوّعين لا نصيب لهم في المغنم. والله أعلم. الثالثة ـ قوله تعالى: { تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } هذا حكم من لا تؤخذ منهم الجِزية، وهو معطوف على «تُقَاتِلُونَهُمْ» أي يكون أحد الأمرين: إما المقاتلة وإما الإسلام، لا ثالث لهما. وفي حرف أُبَيّ «أَوْ يُسْلِمُوا» بمعنى حتى يُسْلِمُوا، كما تقول: كُلْ أو تشبع، أي حتى تشبع. قال:
فقلت له لا تَبْكِ عَيْنُك إنما   نحاوِل مُلْكاً أو نموت فنُعذَرا
وقال الزجاج: قال «أَوْ يُسْلِمُونَ» لأن المعنى أو هم يسلِمون من غير قتال. وهذا في قتال المشركين لا في أهل الكتاب. الرابعة ـ قوله تعالى: { فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ ٱللَّهُ أَجْراً حَسَناً } الغنيمة والنصر في الدنيا، والجنة في الآخرة. { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ } عام الحُدَيْبِيَة. { يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } وهو عذاب النار.