الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ ٱللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمْ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }

قوله تعالى: { سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا } يعني مغانم خيبر لأن الله عز وجل وعد أهل الحديبِية فتح خَيْبَر، وأنها لهم خاصّةً من غاب منهم ومن حضر. ولم يَغِب منهم عنها غير جابر بن عبد الله فقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم كَسَهْمِ مَن حضر. قال ٱبن إسحاق: وكان المتولّي للقسمة بخيبر جَبّار بن صخر الأنصاري من بني سلمة، وزيد بن ثابت من بني النجار كانا حاسبين قاسمين. { ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ } أي دعونا. تقول: ذَرْه، أي دعه. وهو يَذَرُه، أي يَدَعُه. وأصله وذِرَه يَذَرُه مثالُ وسِعَه يَسَعُه. وقد أُمِيت صدره، لا يقال: وذَره ولا واذر، ولكن تركه وهو تارك. قال مجاهد: تخلفوا عن الخروج إلى مكة، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ قوماً ووجّه بهم قالوا ذَرُونا نتّبعكم فنقاتل معكم. { يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ ٱللَّهِ } أي يغيّروا. قال ابن زيد: هو قوله تعالى:فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً } [التوبة: 83] الآية. وأنكر هذا القول الطبري وغيره بسبب أن غزوة تَبُوك كانت بعد فتح خَيْبَر وبعد فتح مكة. وقيل: المعنى يريدون أن يغيّروا وعد الله الذي وعد لأهل الحُدَيْبِيَة وذلك أن الله تعالى جعل لهم غنائم خيبر عِوَضاً عن فتح مكة إذ رجعوا من الحديبية على صلح قاله مجاهد وقتادة، وٱختاره الطبري وعليه عامة أهل التأويل. وقرأ حمزة والكسائي «كَلِمَ» بإسقاط الألف وكسر اللام جمع كلمة نحو سَلِمة وسَلِم. الباقون «كَلاَمَ» على المصدر. وٱختاره أبو عبيد وأبو حاتم، ٱعتباراً بقوله:إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي } [الأعراف: 144]. والكلام: ما ٱستقل بنفسه من الجمل. قال الجوهري: الكلام ٱسم جنس يقع على القليل والكثير. والكَلِم لا يكون أقل من ثلاث كلمات لأنه جمع كلمة مثل نَبِقة ونَبِق. ولهذا قال سيبويه: «هذا بابُ عِلْم مَا الكَلِمُ من العربية» ولم يقل ما الكلام لأنه أراد نفس ثلاثة أشياء: الاْسم والفعل والحرف فجاء بما لا يكون إلا جمعاً، وترك ما يمكن أن يقع على الواحد والجماعة. وتميم تقول: هي كِلْمة، بكسر الكاف، وقد مضى في «براءة» القول فيها. { كَذَلِكُمْ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبْلُ } أي من قبل رجوعنا من الحديبية إن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية خاصة. { فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا } أن نُصيب معكم من الغنائم. وقيل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن خرجتم لم أمنعكم إلا أنه لا سهم لكم " فقالوا: هذا حسد. فقال المسلمون: قد أخبرنا الله في الحديبية بما سيقولونه وهو قوله تعالى: { فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا } فقال الله تعالى: { بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } يعني لا يعلمون إلا أمر الدنيا. وقيل: لا يفقهون من أمر الدين إلا قليلاً وهو ترك القتال.