الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ }

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يحتمل الرفع على الابتداء، والنصب بما يفسره «فَتَعْساً لَهُمْ» كأنه قال: أتْعَسَ الذين كفروا. و «تَعْساً لَهُمْ» نصب على المصدر بسبيل الدعاء قاله الفرّاء، مثل سَقْياً له ورَعْياً. وهو نقيض لَعاً له. قال الأعشى:
فالتَّعْس أوْلَى لها من أن أقول لَعَا   
وفيه عشرة أقوال: الأوّل ـ بُعْداً لهم قاله ابن عباس وابن جريج. الثاني ـ حُزْناً لهم قاله السدي. الثالث ـ شقاء لهم قاله ابن زيد. الرابع ـ شَتْماً لهم من الله قاله الحسن. الخامس ـ هلاكاً لهم قاله ثعلب. السادس ـ خَيْبَةً لهم قاله الضحاك وابن زيد. السابع ـ قبحاً لهم حكاه النقاش. الثامن ـ رغماً لهم قاله الضحاك أيضاً. التاسع ـ شَرًّا لهم قاله ثعلب أيضاً. العاشر ـ شِقْوة لهم قاله أبو العالية. وقيل: إن التَّعْس الانحطاط والعِثار. قال ابن السِّكّيت: التعس أن يَخِرّ على وجهه. والنَّكْس أن يَخِرّ على رأسه. قال: والتعس أيضاً الهلاك. قال الجوهري: وأصله الكَبّ، وهو ضدّ الانتعاش. وقد تَعَس بفتح العين يَتْعَس تَعْساً، وأتعسه الله. قال مُجَمِّع بن هلال:
تقول وقد أفردْتُها من خَلِيلها   تَعِسْتَ كما أتْعَسْتَنِي يا مُجَمِّعُ
يقال: تعساً لفلان أي ألزمه الله هلاكاً. قال القُشَيْرِي: وجوّز قوم تعِس بكسر العين. قلت: ومنه حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تَعِس عَبْدُ الدينار والدرهم والقَطِيفة والخَمِيصة إن أُعطِي رَضِيَ وإن لم يُعْطَ لم يرض " خرّجه البخاري. في بعض طرق هذا الحديث " تعس وٱنتكس وإذا شِيك فلا ٱنتقش " خرّجه ابن ماجه. قوله تعالى: { وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } أي أبطلها لأنها كانت في طاعة الشيطان. ودخلت الفاء في قوله: «فَتَعْساً» لأجل الإبهام الذي في «الَّذِينَ»، وجاء «وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ» على الخبر حملاً على لفظ الذين لأنه خبر في اللفظ، فدخول الفاء حملاً على المعنى، «وأضلّ» حَمْلاً على اللفظ.