الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم }

قوله تعالى: { هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ } أي هأنتم هؤلاء أيها المؤمنون تدعون { لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي في الجهاد وطريق الخير. { فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ } أي على نفسه أي يمنعها الأجر والثواب. { وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ } أي إنه ليس بمحتاج إلى أموالكم. { وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ } إليها. { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ } أي أطوع لِلّه منكم. روى الترمذيّ " عن أبي هريرة قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم } قالوا: ومن يُستبدل بنا؟ قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على منكِب سلمان ثم قال:«هذا وقومه. هذا وقومه» " قال: حديث غريب في إسناده مقال. وقد روى عبد الله بن جعفر بن نجيح والد علي بن المديني أيضاً هذا الحديث عن العلاء بن عبد الرحمٰن " عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله، من هؤلاء الذين ذكر الله إن تَوَلَّينا ٱستبدلوا ثم لا يكونوا أمثالنا؟ قال: وكان سلمان جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذ سلمان، قال:«هذا وأصحابه. والذي نفسي بيده لو كان الإيمان مَنُوطاً بالثُّرَيَّا لتناوله رجال من فارس» " وقال الحسن: هم العجم. وقال عكرمة: هم فارس والروم. قال المحاسبيّ: فلا أحد بعد العرب من جميع أجناس الأعاجم أحسنُ دِيناً، ولا كانت العلماء منهم إلا الفرس. وقيل: إنهم اليمن، وهم الأنصار قاله شريح بن عبيد. وكذا قال ابن عباس: هم الأنصار. وعنه أنهم الملائكة. وعنه هم التابعون. وقال مجاهد: إنهم من شاء من سائر الناس. { ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم } قال الطبريّ: أي في البخل بالإنفاق في سبيل الله. وحكي عن أبي موسى الأشعري أنه لما نزلت هذه الآية فرح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " هي أحبّ إليّ من الدنيا " والله أعلم.