فيه خمس مسائل: الأولى ـ قوله تعالى: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي ما تعبدون من الأصنام والأنداد من دون الله. { أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ } أي هل خلقوا شيئاً من الأرض { أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ } أي نصيب { فِي ٱلسَّمَاوَاتِ } أي في خلق السموات مع الله. { ٱئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَـٰذَآ } أي من قبل هذا القرآن. الثانية ـ قوله تعالى: { أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ } قراءة العامة «أَوْ أثارةٍ» بألف بعد الثاء. قال ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: " هو خط كانت تخطه العرب في الأرض " ذكره المهدوي والثعلبي. وقال ابن العربي: ولم يصح. وفي مشهور الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك " ولم يصح أيضاً. قلت: هو ثابت من حديث معاوية بن الحكم السلمي خرجه مسلم. وأسند النحاس: حدّثنا محمد بن أحمد يعرف بالجرايجي قال حدثنا محمد بن بندار قال حدّثنا يحيى بن سعيد عن سفيان الثوري عن صفوان بن سليم عن أبي سلمة عن ابن عباس " عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل: { أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ } قال: «الخط» " وهذا صحيح أيضاً. قال ابن العربي: واختلفوا في تأويله فمنهم من قال: جاء لإباحة الضرب لأن بعض الأنبياء كان يفعله. ومنهم من قال جاء للنهي عنه لأنه صلى الله عليه وسلم قال: " فمن وافق خطه فذاك " ولا سبيل إلى معرفة طريق النبيّ المتقدّم فيه فإذاً لا سبيل إلى العمل به. قال:
لعمرك ما تدري الضوارب بالحصا
ولا زاجراتُ الطير ما الله صانع
وحقيقته عند أربابه ترجع إلى صور الكواكب، فيدل ما يخرج منها على ما تدل عليه تلك الكواكب من سعد أو نحس يحلّ بهم، فصار ظنًّا مبنيًّا على ظن، وتعلقاً بأمر غائب قد درست طريقه وفات تحقيقه وقد نهت الشريعة عنه، وأخبرت أن ذلك مما اختص الله به، وقطعه عن الخلق، وإن كانت لهم قبل ذلك أسباب يتعلقون بها في درك الأشياء المغيبة فإن الله قد رفع تلك الأسباب وطمس تيك الأبواب وأفرد نفسه بعلم الغيب فلا يجوز مزاحمته في ذلك، ولا يحل لأحد دعواه. وطلبه عناء لو لم يكن فيه نهي فإذ وقد ورد النهي فطلبه معصية أو كفر بحسب قصد الطالب. قلت: ما ٱختاره هو قول الخطابي. " قال الخطابي: قوله عليه السلام: «فمن وافق خطه فذاك» " هذا يحتمل الزجر إذ كان ذلك علماً لنبوته وقد انقطعت، فنهينا عن التعاطي لذلك. قال القاضي عياض: الأظهر من اللفظ خلاف هذا، وتصويب خط من يوافق خطه لكن من أين تعلم الموافقة والشرع منع من التخرّص وٱدعاء الغيب جملة ـ فإنما معناه أن من وافق خطه فذاك الذي يجدون إصابته لا أنه يريد إباحة ذلك لفاعله على ما تأوّله بعضهم.