الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةَ بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

قوله تعالى: { فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ } «لَوْلاَ» بمعنى هلاّ أي هلاّ نصرهم آلهتهم التي تقرّبوا بها بزعمهم إلى الله لتشفع لهم حيث قالوا:هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [يونس:8 1] ومنعتهم من الهلاك الواقع بهم. قال الكِسائيّ: القُرْبان كل ما يُتقرّب به إلى الله تعالى من طاعة ونَسيكة والجمع قرابين كالرهبان والرهابين. وأحد مفعولي اتخذ الراجع إلى الذين المحذوف، والثاني «آلِهةً». و «قُرْبَاناً» حال، ولا يصح أن يكون «قُرْبَاناً» مفعولاً ثانياً. و «آلِهَةً» بدل منه لفساد المعنى قاله الزمخشريّ. وقرىء «قُرُبَاناً» بضم الراء. { بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ } أي هلكوا عنهم. وقيل: «بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ» أي ضلت عنهم آلهتهم لأنها لم يصبها ما أصابهم إذ هي جماد. وقيل: «ضَلُّوا عَنْهُمْ» أي تركوا الأصنام وتبرءوا منها. { وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ } أي والآلهة التي ضلّت عنهم هي إفكهم في قولهم: إنها تقرّبهم إلى الله زلفى. وقراءة العامة «إِفْكُهُمْ» بكسر الهمزة وسكون الفاء أي كذبهم. والإفك: الكذب، وكذلك الأفِيكة، والجمع الأفائك. ورجل أفّاك أي كذاب. وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن الزبير «وَذَلِكَ أَفَكَهُمْ» بفتح الهمزة والفاء والكاف، على الفعل أي ذلك القول صرفهم عن التوحيد. والأَفْكُ بالفتح مصدر قولك: أَفكَه يَأفِكه أَفْكاً أي قلبه وصرفه عن الشيء. وقرأ عكرمة «أَفَّكهم» بتشديد الفاء على التأكيد والتكثير. قال أبو حاتم: يعني قلبهم عما كانوا عليه من النعيم. وذكر المهدوِيّ عن ابن عباس أيضاً «آفِكهم» بالمد وكسر الفاء بمعنى صارفهم. وعن عبد الله بن الزبير باختلاف عنه «آفكهم» بالمدّ فجاز أن يكون أفعلهم، أي أصارهم إلى الإفك. وجاز أن يكون فاعلهم كخَادعهم. ودليل قراءة العامة «إِفْكُهُمْ» قوله: { وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي يكذبون. وقيل «أفْكُهم» مثلُ «أفَكَهُم». الإفْك والأَفَك كالحِذْر والحذَرَ قاله المهدوِيّ.