الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }

قوله تعالى: { وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ } هو هود بن عبد الله بن رباح عليه السلام، كان أخاهم في النسب لا في الدِّين. { إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ } أي ٱذكر لهؤلاء المشركين قصة عادٍ ليعتبروا بها. وقيل: أمره بأن يتذكر في نفسه قصة هود ليقتدي به، ويهون عليه تكذيب قومه له. والأحقاف: ديار عاد. وهي الرمال العظام في قول الخليل وغيره. وكانوا قهروا أهل الأرض بفضل قوّتهم. والأحقاف جمع حِقف، وهو ما ٱستطال من الرمل العظيم وٱعوج ولم يبلغ أن يكون جبلاً، والجمع حِقاف وأحقاف وحقوف. وٱحقوقف الرمل والهلال أي ٱعوج. وقيل: الحِقف جمع حِقاف. والأحقاف جمع الجمع. ويقال: حِقْفٌ أحقف. قال الأعشى:
بات إلى أرطاة حِقف أحْقَفَا   
أي رمل مستطيل مشرف. والفعل منه ٱحقوقف. قال العجاج:
طيّ الليالي زُلَفاً فزلفا   سَمَاوَةَ الهلال حتى احقوقفا
أي ٱنحنى وٱستدار. وقال ٱمرؤ القيس:
كحِقف النقا يمشي الولِيدَانِ فوقه   بما احتسبا من لِين مَسٍّ وتَسْهَالِ
وفيما أريد بالأحقاف هاهنا مختلف فيه. فقال ابن زيد: هي رمال مشرفة مستطيلة كهيئة الجبال، ولم تبلغ أن تكون جبالاً وشاهده ما ذكرناه. وقال قتادة: هي جبال مشرفة بالشِّحْر، والشِّحْرُ قريب من عدن يقال: شِحْرُ عُمَان وشَحْرُ عمان، وهو ساحل البحر بين عُمان وعدن. وعنه أيضاً: ذكر لنا أن عاداً كانوا أحياء باليمن، أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها: الشّحْر. وقال مجاهد: هي أرض من حِسْمَى تسمى بالأحقاف. وحِسْمَى بكسر الحاء ٱسم أرض بالبادية فيها جبال شواهق ملس الجوانب لا يكاد القتام يفارقها. قال النابغة:
فأصبحَ عاقِلاً بجبال حِسْمى   دُقاقَ التُّرْب مُحْتَزِمَ القَتامِ
قاله الجوهري. وقال ابن عباس والضحاك: الأحقاف جبل بالشام. وعن ابن عباس أيضاً: وادٍ بين عُمان ومهرة. وقال مقاتل: كانت منازل عاد باليمن في حضرموت بواد يقال له مهرة، وإليه تنسب الإبل المَهْرِيّة فيقال: إبل مَهْرِيّة ومَهارِي. وكانوا أهل عَمَد سيّارة في الربيع فإذا هاج العود رجعوا إلى منازلهم وكانوا من قبيلة إرم. وقال الكلبي: أحقاف الجبل ما نضب عنه الماء زمان الغرق، كان يَنْضُب الماء من الأرض ويبقى أثره. وروى الطُّفيل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: خيرُ وادِيَيْن في الناس وادٍ بمكة ووادٍ نزل به آدم بأرض الهند. وشر وادِيَيْن في الناس وادٍ بالأحقاف ووادٍ بحضرمَوْت يدعى بَرَهُوت تلقى فيه أرواح الكفار. وخير بئر في الناس بئر زمزم. وشر بئر في الناس بئر بَرَهُوت، وهو في ذلك الوادي الذي بحضرموت. { وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ } أي مضت الرسل. { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } أي من قبل هود. { وَمِنْ خَلْفِهِ } أي ومن بعده قاله الفرّاء. وفي قراءة ٱبن مسعود «من بين يديه ومن بعده». { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ } هذا من قول المرسِل، فهو كلام معترض. ثم قال هود: { إِنَّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } وقيل: «أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ» من كلام هود، والله أعلم.