الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ }

قوله تعالى: { وَيَوْمَ يُعْرَضُ } أي ذكّرهم يا محمد يوم يعرض. { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ } أي يكشف الغطاء فيقرّبون من النار وينظرون إليها. { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ } أي يقال لهم أذهبتم فالقول مضمر. وقرأ الحسن ونصر وأبو العالية ويعقوب وابن كثير «أَأَذْهَبْتُمْ» بهمزتين مخففتين، وٱختاره أبو حاتم. وقرأ أبو حيوة وهشام «آذهبتم» بهمزة واحدة مطولة على الاْستفهام. الباقون بهمزة واحدة من غير مدّ على الخبر، وكلها لغات فصيحة ومعناها التوبيخ، والعرب توبخ بالاْستفهام وبغير الاْستفهام وقد تقدّم. وٱختار أبو عبيد ترك الاْستفهام لأنه قراءة أكثر أئمة السبعة نافع وعاصم وأبي عمرو وحمزة والسكائي، مع من وافقهم شيبة والزهري وابن مُحَيْصن والمغيرة بن أبي شهاب ويحيى بن الحارث والأعمش ويحيى بن وثّاب وغيرهم فهذه عليها جِلّة الناس. وترك الاْستفهام أحسن لأن إثباته يوهم أنهم لم يفعلوا ذلك، كما تقول: أنا ظلمتك؟ تريد أنا لم أظلمك. وإثباته حسن أيضاً يقول القائل: ذهبت فعلت كذا يُوَبّخ ويقول: أذهبت فعلت! كل ذلك جائز. ومعنى «أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ» أي تمتَّعتم بالطيبات في الدنيا وٱتبعتم الشهوات واللذات يعني المعاصي. { فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ } أي عذاب الخزي والفضيحة. قال مجاهد: الهون الهوان. قتادة: بلغة قريش. { بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } أي تستعلون على أهلها بغير استحقاق. { وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ } في أفعالكم بَغْياً وظلماً. وقيل: «أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ» أي أفنيتم شبابكم في الكفر والمعاصي. قال ابن بحر: الطيبات الشباب والقوّة مأخوذ من قولهم: ذهب أطيباه أي شبابه وقوّته. قال الماوردِيّ: ووجدت الضحاك قاله أيضاً. قلت: القول الأوّل أظهر، روى الحسن عن الأحنف بن قيس أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: لأنا أعلم بخفض العيش، ولو شئت لجعلت أكباداً وصلاء وصِناباً وصَلائِقَ، ولكني أستبقي حسناتي فإن الله عز وجل وصف أقواماً فقال: { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا } وقال أبو عبيد في حديث عمر: لو شئت لدعوت بصلائق وصناب وكَرَاكِرَ وأسنمة. وفي بعض الحديث: وأفلاذٍ. قال أبو عمرو وغيره: الصلاء بالمدّ والكسر: الشواء سُمِّي بذلك لأنه يُصْلَى بالنار. والصِّلاء أيضاً: صلاء النار فإن فتحت الصاد قصرت وقلت: صَلَى النارِ. والصِّناب: الأصبغة المتخذة من الخردل والزبيب. قال أبو عمرو: ولهذا قيل للبِرذَوْن: صِنابِيّ وإنما شُبِّه لونه بذلك. قال: والسلائق بالسين وهو ما يسلق من البقول وغيرها. وقال غيره: هي الصلائق بالصاد قال جرير:
تُكَلِّفنِي معيشةَ آلِ زيدٍ   ومَن لي بالصّلائق والصِّناب
والصلائق: الخبز الرقاق العريض. وقد مضى هذا المعنى في «الأعراف». وأما الكراكر فكراكر الإبل، واحدتها كِركِرة وهي معروفة هذا قول أبي عبيد. وفي الصحاح: والكِرْكِرة رَحَى زَوْر البعير، وهي إحدى النفثات الخمس.

السابقالتالي
2 3