الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ }

قوله تعالى: { وَمِن قَبْلِهِ } أي ومن قبل القرآن { كِتَابُ مُوسَىٰ } أي التوراة { إِمَاماً } يقتدى بما فيه { وَرَحْمَةً } من الله. وفي الكلام حذف أي فلم تهتدوا به. وذلك أنه كان في التوراة نعت النبيّ صلى الله عليه وسلم والإيمانُ به فتركوا ذلك. و «إِمَاماً» نصب على الحال لأن المعنى: وتقدّمه كتاب موسى إماماً. «وَرَحْمَةً» معطوف عليه. وقيل: ٱنتصب بإضمار فعل أي أنزلناه إماماً ورحمة. وقال الأخفش: على القطع لأن كتاب موسى معرفة بالإضافة، لأن النكرة إذا أعيدت أو أضيفت أو أدخل عليها ألف ولام صارت معرفة. { وَهَـٰذَا كِتَابٌ } يعني القرآن { مُّصَدِّقٌ } يعني للتوراة ولما قبله من الكتب. وقيل: مصدّق للنبيّ صلى الله عليه وسلم. { لِّسَاناً عَرَبِيّاً } منصوب على الحال أي مصدّق لما قبله عربياً، و «لِسَاناً» توطئة للحال أي تأكيد كقولهم: جاءني زيد رجلاً صالحاً فتذكر رجلاً توكيداً. وقيل: نصب بإضمار فعل تقديره: وهذا كتاب مصدّق أعني لساناً عربياً. وقيل: نصب بإسقاط حرف الخفض تقديره: بلسان عربي. وقيل: إن لساناً مفعول والمراد به النبيّ صلى الله عليه وسلم أي وهذا كتاب مصدّق للنبيّ صلى الله عليه وسلم لأنه معجزته والتقدير: مصدّق ذا لسان عربي. فاللسان منصوب بمصدّق، وهو النبي صلى الله عليه وسلم. ويبعد أن يكون اللسان القرآن لأن المعنى يكون يصدّق نفسه. { لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } قراءة العامة «لِيُنْذِرَ» بالياء خبر عن الكتاب أي لينذر الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية. وقيل: هو خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم. وقرأ نافع وٱبن عامر والبَزِّي بالتاء، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ } [الرعد: 7]. { وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ } «بُشْرَى» في موضع رفع أي وهو بشرى. وقيل: عطفاً على الكتاب أي وهذا كتاب مصدّق وبشرى. ويجوز أن يكون منصوباً بإسقاط حرف الخفض أي لينذر الذين ظلموا وللبشرى فلما حذف الخافض نصب. وقيل: على المصدر أي وتبشر المحسنين بشرى فلما جعل مكان وتبشر بشرى أو بشارة نصب كما تقول: أتيتك لأزورك، وكرامة لك وقضاء لحقك يعني لأزورك وأكرمك وأقضي حقك فنصب الكرامة بفعل مضمر.