الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

قوله تعالى: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } يعني القرآن. { وَكَفَرْتُمْ بِهِ } وقال الشعبي: المراد محمد صلى الله عليه وسلم. { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } قال ابن عباس والحسن وعكرمة وقتادة ومجاهد: هو عبد الله بن سَلاَم، شهد على اليهود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مذكور في التوراة، وأنه نبيّ من عند الله. وفي الترمذي عنه: ونزلت فيّ آيات من كتاب الله، نزلت فِيّ: { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }. وقد تقدّم في آخر سورة «الرعد». وقال مسروق: هو موسى والتوراة، لا ابن سَلاَم لأنه أسلم بالمدينة والسورة مكية. وقال: وقوله: { وَكَفَرْتُمْ بِهِ } مخاطبة لقريش. الشعبي: هو من آمن من بني إسرائيل بموسى والتوراة، لأن ابن سَلاَم إنما أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعامين، والسورة مكية. قال القُشَيْرِيّ: ومن قال الشاهد موسى قال السورة مكية، وأسلم ٱبن سَلاَم قبل موت النبيّ صلى الله عليه وسلم بعامين. ويجوز أن تكون الآية نزلت بالمدينة وتوضع في سورة مكية فإن الآية كانت تنزل فيقول النبيّ صلى الله عليه وسلم ضعوها في سورة كذا. والآية في محاجة المشركين، ووجه الحجة أنهم كانوا يراجعون اليهود في أشياء أي شهادتهم لهم وشهادة نبيّهم لي من أوضح الحجج. ولا يبعد أن تكون السورة في محاجة اليهود، " ولما جاء ابن سَلاَم مُسْلِماً من قبل أن تعلم اليهود بإسلامه قال: يا رسول الله، اجعلني حَكَماً بينك وبين اليهود فسألهم عنه: «أيّ رجلٍ هو فيكم» قالوا: سَيِّدُنا وعالمنا. فقال: «إنه قد آمن بي» فأساءوا القول فيه... " الحديث، وقد تقدّم. قال ابن عباس: رضيت اليهود بحكم ابن سلام، وقالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن يشهد لك آمنا بك فسئل فشهد ثم أسلم. { عَلَىٰ مِثْلِهِ } أي على مثل ما جئتكم به فشهد موسى على التوراة ومحمد على القرآن. وقال الجُرْجَاني. «مِثْل» صلة، أي وشهد شاهد عليه أنه من عند الله. { فَآمَنَ } أي هذا الشاهد. { وَٱسْتَكْبَرْتُمْ } أنتم عن الإيمان. وجواب «إنْ كَانَ» محذوف تقديره: فآمن أتؤمنون قاله الزجاج. وقيل: «فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ» أَليس قد ظلمتم يبيّنه { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } وقيل: «فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ» أفتأمنون عذاب الله. و «أَرَأَيْتُم» لفظ موضوع للسؤال والاستفهام ولذلك لا يقتضي مفعولاً. وحكى النقاش وغيره: أن في الآية تقديماً وتأخيراً، وتقديره: قل أرأيتم إن كان من عند الله وشهد شاهد من بني إسرائيل فآمن هو وكفرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين.