الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ هَـٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { هَـٰذَا كِتَابُنَا } قيل من قول الله لهم. وقيل من قول الملائكة. { يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقِّ } أي يشهد. وهو ٱستعارة يقال: نطق الكتاب بكذا أي بَيّن. وقيل: إنهم يقرءونه فيذكرهم الكتاب ما عملوا فكأنه ينطق عليهم دليله قوله:وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا } [الكهف:9 4]. وفي المؤمنين:وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [المؤمنون:62] وقد تقدّم. و «يَنْطِقُ» في موضع الحال من الكتاب، أو من ذا، أو خبر ثان لذا، أو يكون «كِتَابُنَا» بدلاً من «هَذَا» و «يَنْطِقُ» الخبر. { إِنَّ كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي نأمر بنسخ ما كنتم تعملون. قال عليّ رضي الله عنه: إن للّه ملائكة ينزلون كل يوم بشيء يكتبون فيه أعمال بني آدم. وقال ابن عباس: إن الله وكّل ملائكة مطهرين فينسخون من أم الكتاب في رمضان كل ما يكون من أعمال بني آدم فيعارضون حفظة الله على العباد كل خميس، فيجدون ما جاء به الحفظة من أعمال العباد موافقاً لما في كتابهم الذي استنسخوا من ذلك الكتاب لا زيادة فيه ولا نقصان. قال ابن عباس: وهل يكون النسخ إلا من كتاب. الحسن: نستنسخ ما كتبته الحفظة على بني آدم لأن الحفظة ترفع إلى الخزنة صحائف الأعمال. وقيل: تحمل الحفظة كل يوم ما كتبوا على العبد، ثم إذا عادوا إلى مكانهم نسخ منه الحسنات والسيئات ولا تحوّل المباحات إلى النسخة الثانية. وقيل: إن الملائكة إذا رفعت أعمال العباد إلى الله عز وجل أمر بأن يثبت عنده منها ما فيه ثواب وعقاب، ويسقط من جملتها ما لا ثواب فيه ولا عقاب.