الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً } أي من هول ذلك اليوم. والأُمة هنا: أهلُ كل ملة. وفي الجاثية تأويلات خمسة: الأوّل ـ قال مجاهد: مستوفزة. وقال سفيان: المستوفز الذي لا يصيب الأرضَ منه إلا ركبتاه وأطراف أنامله. الضحاك: ذلك عند الحساب. الثاني ـ مجتمعة قاله ابن عباس. الفراء: المعنى وترى أهل كل دين مجتمعين. الثالث ـ متميزة قاله عكرمة. الرابع ـ خاضعة بلغة قريش قاله مُوَرِّج. الخامس ـ باركة على الركب قاله الحسن. والجَثْوُ: الجلوس على الركب. جثا على ركبتيه يجثو ويجثي جُثُوًّا وجُثِيًّا على فعول فيهما، وقد مضى في «مريم»: وأصل الجثوة: الجماعة من كل شيء. قال طَرَفَة يصف قبرين:
ترى جُثْوَتَيْن من تراب عليهما   صفائحُ صُمٌّ من صفيح مُنَضَّدِ
ثم قيل: هو خاص بالكفار قاله يحيى بن سلام. وقيل: إنه عام للمؤمن والكافر انتظاراً للحساب. وقد روى سفيان بن عيينة عن عمرو عن عبد الله بن باباه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " كأني أراكم بالكَوْم جاثين دون جهنم " ذكره الماوردي. وقال سلمان: إن في يوم القيامة لساعةً هي عشر سنين يخِرّ الناس فيها جثاة على ركبهم حتى إن إبراهيم عليه السلام لينادي «لا أسألك اليوم إلا نفسي». { كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا } قال يحيى بن سلام: إلى حسابها. وقيل: إلى كتابها الذي كان يستنسخ لها فيه ما عملت من خير وشر قاله مقاتل. وهو معنى قول مجاهد. وقيل: «كِتابِهَا» ما كتبت الملائكة عليها. وقيل كتابها المنزل عليها لينظر هل عملوا بما فيه. وقيل: الكتاب هاهنا اللوح المحفوظ. وقرأ يعقوب الحضرميّ «كُلَّ أُمَّةٍ» بالنصب على البدل من «كُلّ» الأولى لما في الثانية من الإيضاح الذي ليس في الأولى إذ ليس في جُثُوّها شيء من حال شرح الجثو كما في الثانية من ذكر السبب الداعي إليه وهو استدعاؤها إلى كتابها. وقيل: انتصب بإعمال «تَرَى» مضمراً. والرفع على الابتداء. { ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } من خير أو شر.