الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ }

قال ٱبن عباس والحسن وقتادة: ذلك الكافر ٱتخذ دينه ما يهواه فلا يهوى شيئاً إلا ركبه. وقال عكرمة: أفرأيت من جعل إلهه الذي يعبده ما يهواه أو يستحسنه فإذا ٱستحسن شيئاً وهَوِيَهُ ٱتخذه إلٰهاً. قال سعيد بن جُبير: كان أحدهم يعبد الحجر فإذا رأى ما هو أحسن منه رمى به وعبد الآخر. وقال مقاتل: نزلت في الحارث بن قيس السهمي أحد المستهزئين، لأنه كان يعبد ما تهواه نفسه. وقال سفيان بن عيينة: إنما عبدوا الحجارة لأن البيت حجارة. وقيل: المعنى أفرأيت من ينقاد لهواه ومعبوده تعجيباً لذوي العقول من هذا الجهل. وقال الحسن بن الفضل: في هذه الآية تقديم وتأخير، مجازه: أفرأيت من ٱتخذ هواه إلٰهه. وقال الشَّعْبيّ: إنما سُمِّي الهوى هَوًى لأنه يهوي بصاحبه في النار. وقال ابن عباس: ما ذكر الله هَوًى في القرآن إلا ذمّه، قال الله تعالى:وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ } [الأعراف: 176]. وقال تعالى:وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً } [الكهف:8 2]. وقال تعالى:بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ } [الروم:9 2]. وقال تعالى:وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ } [القصص: 50]. وقال تعالى:وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [صۤ:6 2]. وقال عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تَبعاً لما جئت به " وقال أبو أمامة: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: " ما عُبِد تحت السماء إلٰه أبغض إلى الله من الهوى " وقال شدّاد بن أوس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: " الكَيِّس من دان نفسه وعمِل لما بعد الموت. والفاجر من أتبع نفسه هواها وتمنَّى على الله " وقال عليه السلام: " إذا رأيت شُحًّا مطاعاً وهَوًى مُتَّبَعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصّة نفسك ودَعْ عنك أمر العامة " وقال صلى الله عليه وسلم: " ثلاث مهلكات وثلاث منجيات فالمهلكات شُحٌّ مطاع وهوًى متبع وإعجاب المرء بنفسه. والمنجيات خشية الله في السر والعلانية والقصد في الغنى والفقر والعدل في الرضا والغضب " وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: إذا أصبح الرجل اجتمع هواه وعمله وعلمه فإن كان عمله تبعاً لهواه فيومه يوم سوء، وإن كان عمله تبعاً لعلمه فيومه يوم صالح. وقال الأصمعي سمعت رجلاً يقول:
إن الهوان هو الهوى قلب ٱسمه   فإذا هويت فقد لقيت هوانا
وسئل ابن المقفع عن الهوى فقال: هَوَانٌ سرقت نونه، فأخذه شاعر فنظمه وقال:
نُونُ الهوان من الهَوَى مسروقةٌ   فإذا هَوِيت فقد لقيت هوانا
وقال آخر:

السابقالتالي
2 3