الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ }

فيه مسألتان: الأولى ـ قوله تعالى: { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ } الشريعة في اللغة: المذهب والمِلّة. ويقال لمشرعة الماء ـ وهي مورد الشاربة ـ: شريعة. ومنه الشارع لأنه طريق إلى المقصد. فالشريعة: ما شرع الله لعباده من الدين والجمع الشرائع. والشرائع في الدين: المذاهب التي شرعها الله لخلقه. فمعنى: «جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ اْلأَمْرِ» أي على منهاج واضح من أمر الدين يشرع بك إلى الحق. وقال ابن عباس: «عَلَى شَرِيعَةٍ» أي على هدًى من الأمر. قتادة: الشريعة الأمر والنهي والحدود والفرائض. مقاتل: البيّنة لأنها طريق إلى الحق. الكلبي: السُّنة لأنه يُستن بطريقة مَن قبله من الأنبياء. ٱبن زيد: الدِّين لأنه طريق النجاة. قال ٱبن العربي: والأمر يرِد في اللغة بمعنيين: أحدهما ـ بمعنى الشأن كقوله:فَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ } [هود:97 ]. والثاني ـ أحد أقسام الكلام الذي يقابله النهي. وكلاهما يصح أن يكون مراداً هاهنا وتقديره: ثم جعلناك على طريقة من الدين وهي ملّة الإسلام كما قال تعالى:ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [النحل: 123]. ولا خلاف أن الله تعالى لم يغاير بين الشرائع في التوحيد والمكارم والمصالح، وإنما خالف بينهما في الفروع حسبما علمه سبحانه. الثانية ـ قال ٱبن العربي: ظن بعض من يتكلم في العلم أن هذه الآية دليل على أن شرع من قبلنا ليس بشرع لنا لأن الله تعالى أفرد النبيّ صلى الله عليه وسلم وأمته في هذه الآية بشريعة، ولا ننكر أن النبي صلى الله عليه وسلم وأمته منفردان بشريعة، وإنما الخلاف فيما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنه من شرع من قبلنا في معرض المدح والثناء هل يلزم ٱتباعه أم لا. قوله تعالى: { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } يعني المشركين. وقال ابن عباس: قُريظة والنَّضِير. وعنه: نزلت لما دعته قريش إلى دين آبائه.