الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } * { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـٰعِبِينَ } * { مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ } هذا استفهام إنكار أي إنهم مستحقون في هذا القول العذاب إذ ليسوا خيراً من قوم تبع والأمم المهلكة، وإذا أهلكنا أولئك فكذا هؤلاء. وقيل: المعنى أهم أظهر نعمة وأكثر أموالاً أم قوم تُبَّع. وقيل: أهم أعزّ وأشدّ وأمنع أم قوم تُبّع. وليس المراد بتُبّع رجلاً واحداً بل المراد به ملوك اليمن فكانوا يسمون ملوكهم التبابعة. فتُبَّعْ لقب للملك منهم كالخليفة للمسلمين، وكِسْرَى للفُرْس، وقَيْصر للروم. وقال أبو عبيدة: سُمِّيَ كل واحد منهم تُبَّعاً لأنه يتبع صاحبه. قال الجوهري: والتبابعة ملوك اليمن، واحدهم تُبّع. والتُّبَّع أيضاً الظِّل وقال:
يَرد المياه حضِيرةً ونَفِيضةً   وِرْدَ القطَاة إذا ٱسْمَألّ التُّبَّع
والتبع أيضاً ضرب من الطير. وقال السهيلي: تُبّع اسمٌ لكل مَلِك مَلَكَ اليمن والشِّحْر وحضرموت. وإن مَلكَ اليمن وحدها لم يقل له تُبّع قاله المسعودي. فمن التبابعة: الحارث الرائش، وهو ابن همال ذي سدد. وأبرهة ذو المنار. وعمرو ذو الأذعار. وشمر بن مالك، الذي تنسب إليه سَمَرْقَنْد. وأفريقيس بن قيس، الذي ساق البربر إلى أفريقية من أرض كنعان، وبه سميت إفريقية. والظاهر من الآيات: أن الله سبحانه إنما أراد واحداً من هؤلاء، وكانت العرب تعرفه بهذا الاسم أشدّ من معرفة غيره ولذلك قال عليه السلام: " ولا أدري أتُبّع لَعِينٌ أم لا " ثم قد روي عنه أنه قال: " لا تَسُبُّوا تُبَّعاً فإنه كان مؤمناً " فهذا يدلّك على أنه كان واحداً بعينه وهو ـ والله أعلم ـ أبو كرب الذي كسا البيت بعدما أراد غزوه، وبعدما غزا المدينة وأراد خرابها، ثم ٱنصرف عنها لمّا أخبر أنها مُهاجَر نبيّ ٱسمه أحمد. وقال شعراً أودعه عند أهلها فكانوا يتوارثونه كابراً عن كابر إلى أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم فأدّوْهُ إليه. ويقال: كان الكتاب والشعر عند أبي أيوب خالد بن زيد. وفيه:
شهدت على أحمد أنه   رسول من الله باري النَّسَمْ
فلو مُدّ عمري إلى عمره   لكنت وزيراً له وٱبنَ عَمْ
وذكر الزجاج وابن أبي الدنيا والزمخشري وغيرهم أنه حُفر قبر له بصنعاء ـ ويقال بناحية حمير ـ في الإسلام، فوجِد فيه امرأتان صحيحتان، وعند رؤوسهما لوح من فضة مكتوب فيه بالذهب «هذا قبر حُبَّى ولَميس» ويروى أيضاً: «حبى وتماضر» ويروى أيضاً: «هذا قبر رضوى وقبر حُبّى ابنتا تبع، ماتتا وهما تشهدان أن لا إلٰه إلا الله ولا يشركان به شيئاً وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما». قلت: وروى ابن إسحاق وغيره أنه كان في الكتاب الذي كتبه: «أما بعد، فإني آمنت بك وبكتابك الذي أنزل عليك، وأنا على دينك وسنتك، وآمنت بربّك وربّ كل شيء، وآمنت بكل ما جاء من ربّك من شرائع الإسلام فإن أدركتك فبِها ونِعمت، وإن لم أدركك فٱشفع لي ولا تنسني يوم القيامة فإني من أمتك الأوّلين وبايعتك قبل مجيئك، وأنا على ملتك وملة أبيك إبراهيم عليه السلام».

السابقالتالي
2