الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } * { وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ }

قوله تعالى: { كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } { كَمْ } للتكثير. وقد مضى الكلام في معنى هذه الآية في «الشعراء» مستوفى. { وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ } النَّعْمة بالفتح: التنعيم، يقال: نعّمه الله وناعَمَه فتنعّم. وٱمرأة مُنَعَّمة ومُنَاعَمَة، بمعنًى. والنِّعمة بالكسر: اليد والصنِيعة والمِنّة وما أُنعِم به عليك. وكذلك النُّعْمى. فإن فتحت النون مددت وقلت: النَّعماء. والنعيم مثله. وفلان واسع النعمة، أي واسع المال جميعه عن الجوهريّ. وقال ابن عمر: المراد بالنعمة نيل مصر. ابن لهِيعة: الفيوم. ابن زياد: أرض مصر لكثرة خيرها. وقيل: ما كانوا فيه من السعة والدعة. وقد يقال: نَعْمَة ونِعْمَة بفتح النون وكسرها، حكاه الماورديّ. قال: وفي الفرق بينهما وجهان: أحدهما ـ أنها بكسر النون في المِلْك، وبفتحها في البَدَن والدين، قاله النَّضْر بن شُمَيل. الثاني ـ أنها بالكسر من المِنّة وهو الإفضال والعطيّة، وبالفتح من التنعيم وهو سعة العيش والراحة قاله ابن زياد. قلت: هذا الفرق هو الذي وقع في الصحاح وقد ذكرناه. وقرأ أبو رجاء والحسن وأبو الأشهب والأعرج وأبو جعفر وشيبة «فَكِهِينَ» بغير ألف، ومعناه أشِرِين بَطِرين. قال الجوهري: فَكِه الرجل بالكسر فهو فَكِه إذا كان طيِّب النفس مَزَّاحاً. والفِكه أيضاً الأشِر البطِر. وقرىء «وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَكِهِينَ» أي أَشِرين بطِرين. و «فَاكِهِينَ» أي ناعمين. القشيري: «فَاكِهِينَ» لاهين مازحين، يقال: إنه لفاكه أي مَزَّاح. وفيه فكاهة أي مزح. الثعلبيّ: وهما لغتان كالحاذر والحَذِر، والفارِه والفَرِه. وقيل: إن الفاكه هو المستمتع بأنواع اللذة كما يتمتع الآكل بأنواع الفاكهة. والفاكهة: فضلٌ عن القوت الذي لا بدّ منه.