الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَـٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } * { فَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ } * { وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِٱلْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { وَقَالُواْ يَٰأَيُّهَ ٱلسَّاحِرُ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } * { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } * { وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } * { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَآ } لمّا أعلم النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه منتقم له من عدوّه وأقام الحجة بٱستشهاد الأنبياء وٱتفاق الكل على التوحيد أكّد ذلك بقصة موسى وفرعون، وما كان من فرعون من التكذيب، وما نزل به وبقومه من الإغراق والتكذيب أي أرسلنا موسى بالمعجزات وهي التسع الآيات فَكُذِّب فجعلت العاقبة الجميلة له، فكذلك أنت. ومعنى: { يَضْحَكُونَ } استهزاءً وسخرية يوهمون أتباعهم أن تلك الآيات سحر وتخييل، وأنهم قادرون عليها. وقوله: { وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا } أي كانت آيات موسى من كبار الآيات، وكانت كل واحدة أعظمَ مما قبلها. وقيل: «إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا» لأن الأولى تقتضي علماً والثانية تقتضي علماً، فتُضَمّ الثانية إلى الأولى فيزداد الوضوح، ومعنى الأُخوّة المشاكلة والمناسبة كما يقال: هذه صاحبة هذه أي هما قريبتان في المعنى. { وَأَخَذْنَاهُم بِٱلْعَذَابِ } أي على تكذيبهم بتلك الآيات وهو كقوله تعالى:وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن ٱلثَّمَرَاتِ } [الأعراف: 130]. والطوفان والجراد والقُمَّل والضفادع. وكانت هذه الآيات الأخيرة عذاباً لهم وآياتٍ لموسى. { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } من كفرهم. { وَقَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلسَّاحِرُ } لما عاينوا العذاب قالوا يأيها الساحر نَادَوْهُ بما كانوا ينادونه به من قبل ذلك على حسب عادتهم. وقيل: كانوا يسمّون العلماء سحرة فنادوه بذلك على سبيل التعظيم. قال ابن عباس: «يَأَيُّهَا السَّاحِرُ» يأيها العالم، وكان الساحر فيهم عظيماً يُوقّرونه ولم يكن السحر صفةَ ذم. وقيل: يأيها الذي غَلَبَنَا بسحره يقال: ساحرته فسحرته أي غلبته بالسحر كقول العرب: خاصمته فخصمته أي غلبته بالخصومة، وفاضلته ففضلته، ونحوها. ويحتمل أن يكون أرادوا به الساحر على الحقيقة على معنى الاستفهام، فلم يَلُمْهم على ذلك رجاء أن يؤمنوا. وقرأ ابن عامر وأبو حَيْوَة ويحيى بن وَثّاب «أيُّهُ الساحر» بغير ألف والهاء مضمومة وعلّتها أن الهاء خُلطت بما قبلها وألزمت ضم الياء الذي أوجبه النداء المفرد. وأنشد الفرّاء:
يأيُّهُ القلبُ اللَّجُوج النفس   أفق عن البيض الحسانِ اللُّعْسِ
فضم الهاء حملاً على ضم الياء وقد مضى في «النور» معنى هذا. ووقف أبو عمرو وٱبن أبي إسحاق ويحيى والكسائي «أيها» بالألف على الأصل. الباقون بغير ألف لأنها كذلك وقعت في المصحف. { ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ } أي بما أخبرنا عن عهده إليك إنا إن آمنا كشف عنا فسله يكشف عنا { إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } أي فيما يستقبل. { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ } أي فدعا فكشفنا. { إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } أي ينقضون العهد الذي جعلوه على أنفسهم فلم يؤمنوا. وقيل: قولهم «إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ» إخبار منهم عن أنفسهم بالإيمان فلما كشف عنهم العذاب ارتدّوا. قوله تعالى: { وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ } قيل: لما رأى تلك الآيات خاف ميل القوم إليه فجمع قومه فقال فنادى بمعنى قال قاله أبو مالك.

السابقالتالي
2 3