الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱسْتَمْسِكْ بِٱلَّذِيۤ أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ }

قوله تعالى: { فَٱسْتَمْسِكْ بِٱلَّذِيۤ أُوحِيَ إِلَيْكَ } يريد القرآن، وإن كذب به من كذب فَـ { إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } يوصّلك إلى الله ورضاه وثوابِهِ. { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } يعني القرآن شرفٌ لك ولقومك من قريش، إذ نزل بلغتهم وعلى رجل منهم نظيره:لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ } [الأنبياء: 10] أي شرفكم. فالقرآن نزل بلسان قريش وإياهم خاطب فاحتاج أهل اللغات كلّها إلى لسانهم كلّ من آمن بذلك فصاروا عيالاً عليهم لأن أهل كل لغة ٱحتاجوا إلى أن يأخذوه من لغتهم حتى يقفوا على المعنى الذي عنى به من الأمر والنهي وجميع ما فيه من الأنباء، فشَرُفُوا بذلك على سائر أهل اللغات ولذلك سُمِّي عربياً. وقيل: بيان لك ولأمتك فيما بكم إليه حاجة. وقيل: تذكرة تذكرون به أمر الدين وتعملون به. وقيل: «وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ» يعني الخلافة فإنها في قريش لا تكون في غيرهم قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " الناس تَبَعٌ لقريش في هذا الشأن مُسْلمُهم تَبَعٌ لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم " وقال مالك: هو قول الرجل حدّثني أبي عن أبيه، حكاه ٱبن أبي سلمة عن أبيه عن مالك بن أنس فيما ذكر الماورديّ والثعلبيّ وغيرهما. قال ابن العربي: ولم أجد في الإسلام هذه المرتبة لأحد إلا ببَغْداد فإن بني التميمي بها يقولون: حدّثني أبي قال حدّثني أبي، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلك شَرُفت أقدارهم، وعظّم الناس شأنهم، وتهمّمت الخلافة بهم. ورأيت بمدينة السلام ٱبني أبي محمد رزق الله بن عبد الوهاب أبي الفرج بن عبد العزيز بن الحارث بن الأسد بن الليث بن سليمان بن أسود بن سفيان بن يزيد بن أُكَيْنة بن عبد الله التميمي وكانا يقولان: سمعنا أبانا رزق الله يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت عليّ بن أبي طالب يقول وقد سئل عن الحنّان المَنّان فقال: الحنان الذي يُقبل على من أعرض عنه، والمنّان الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال. والقائل سمعت عليًّا: أكَيْنة بن عبد الله جدّهم الأعلى. والأقوى أن يكون المراد بقوله: { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } يعني القرآن فعليه ٱنبنى الكلام وإليه يرجع المصير، والله أعلم. قال الماورديّ: «وَلِقَوْمِكَ» فيهم قولان: أحدهما ـ من اتبعك من أمتك قاله قتادة وذكره الثعلبي عن الحسن. الثاني ـ لقومك من قريش فيقال ممن هذا؟ فيقال من العرب، فيقال من أيّ العرب؟ فيقال من قريش قاله مجاهد. قلت ـ والصحيح أنه شرف لمن عمِل به، كان من قريش أو من غيرهم. روى ٱبن عباس قال: " أقبل نبيّ الله صلى الله عليه وسلم من سَرِيّة أو غَزَاة فدعا فاطمة فقال: «يا فاطمة اشتري نفسك من الله فإني لا أُغْنِي عنك من الله شيئاً» "

السابقالتالي
2