الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ }

فيه خمس مسائل: الأولى ـ قال العلماء: ذكر حقارة الدنيا وقلة خطرها، وأنها عنده من الهوان بحيث كان يجعل بيوت الكفرة وَدَرَجها ذهباً وفضة لولا غلبة حبّ الدنيا على القلوب فيحمل ذلك على الكفر. قال الحسن: المعنى لولا أن يكفر الناس جميعاً بسبب ميلهم إلى الدنيا وتركهم الآخرة لأعطيناهم في الدنيا ما وصفناه لهوان الدنيا عند الله عز وجل. وعلى هذا أكثر المفسرين ٱبن عباس والسدي وغيرهم. وقال ٱبن زيد: { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً } في طلب الدنيا وٱختيارها على الآخرة { لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ }. وقال الكسائي: المعنى لولا أن يكون في الكفار غنيٌّ وفقير وفي المسلمين مثل ذلك لأعطينا الكفار من الدنيا هذا لهوانها. الثانية ـ قرأ ٱبن كثير وأبو عمرو «سَقْفاً» بفتح السين وإسكان القاف على الواحد ومعناه الجمع ٱعتباراً بقوله تعالى:فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ } [النحل: 26]. وقرأ الباقون بضم السين والقاف على الجمع مثل رَهْن ورُهُن. قال أبو عبيد: ولا ثالث لهما. وقيل: هو جمع سقيف مثل كَثِيب وكُثب، ورَغيف ورُغُف قاله الفراء. وقيل: هو جمع سقوف فيصير جَمْعَ الجمع: سَقْف وسُقُوف، نحو فَلْس وفُلُوس. ثم جعلوا فعولاً كأنه ٱسم واحد فجمعوه على فُعُل. وروي عن مجاهد «سَقْفاً» بإسكان القاف. وقيل: اللام في «لِبُيوتِهِمْ» بمعنى على أي على بيوتهم. وقيل: بدل كما تقول: فعلت هذا لزيد لكرامته قال الله تعالى:وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ } [النساء: 11] كذلك قال هنا: { لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ }. الثالثة ـ قوله تعالى: { وَمَعَارِجَ } يعني الدَّرَج قاله ٱبن عباس وهو قول الجمهور. واحدها مِعراج، والمِعراج السُّلَّم ومنه ليلة المعراج. والجمع معارج ومعاريج مثل مفاتح ومفاتيح لغتان. «وَمَعَارِيجَ» قرأ أبو رجاء العُطَارِدِي وطلحة بن مُصَرِّف وهي المراقي والسلاليم. قال الأخفش: إن شئت جعلت الواحد مِعْرَج ومَعْرَج مثل مِرقاة ومَرقاة. { عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } أي على المعارج يرتقون ويصعدون يقال: ظهرت على البيت أي علوت سطحه. وهذا لأن من علا شيئاً وٱرتفع عليه ظهر للناظرين. ويقال: ظهرت على الشيء أي علمته. وظهرت على العدوّ أي غلبته. وأنشد نابغة بني جَعْدة رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:
عَلَوْنا السماء عِزّةً ومهابةً   وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
أي مصعدا فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " «إلى أين»؟ قال إلى الجنة قال:«أجل إن شاء الله» " قال الحسن: والله لقد مالت الدنيا بأكثر أهلها وما فعل ذلك! فكيف لو فعل؟ٰ الرابعة ـ استدل بعض العلماء بهذه الآية على أن السقف لا حَقَّ فيه لرب العُلْو لأن الله تعالى جعل السقوف للبيوت كما جعل الأبواب لها.

السابقالتالي
2