الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }

فيه ثلاث مسائل: الأولى ـ قوله تعالى: { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً } الضمير في «جَعَلَهَا» عائد على قوله: { إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي }. وضمير الفاعل في «جَعَلَهَا» للّه عز وجل أي وجعل الله هذه الكلمة والمقالة باقية في عقبه، وهم ولده وولد ولده أي إنهم توارثوا البراءة عن عبادة غير الله، وأوصى بعضهم بعضاً في ذلك. والعقب من يأتي بعده. وقال السدي: هم آل محمد صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عباس: قوله: «فِي عَقِبِهِ» أي في خلفه. وفي الكلام تقديم وتأخير المعنى فإنه سيهدين لعلهم يرجعون وجعلها كلمة باقية في عقبه. أي قال لهم ذلك لعلهم يتوبون عن عبادة غير الله. قال مجاهد وقتادة: الكلمة لا إلٰه إلا الله. قال قتادة: لا يزال من عقبه من يعبد الله إلى يوم القيامة. وقال الضحاك: الكلمة أن لا تعبدوا إلا الله. عكرمة: الإسلام لقوله تعالى:هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ } [الحج: 78]. القرظي: وجعل وصية إبراهيم التي وصّى بها بنيه وهو قوله:يَابَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ } [البقرة: 123] ـ الآية المذكورة في البقرة ـ كلمَةً باقية في ذريته وبنيه. وقال ابن زيد: الكلمة قوله:أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [البقرة: 131] وقرأ { هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ }. وقيل: الكلمة النبوّة. قال ابن العربي: ولم تزل النبوّة باقية في ذرية إبراهيم. والتوحيد هم أصله وغيرهم فيه تبع لهم. الثانية ـ قال ابن العربي: إنما كانت لإبراهيم في الأعقاب موصولة بالأحقاب بدعوتيه المجابتين إحداهما في قوله:إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } [البقرة: 124] فقد قال نعم إلا من ظلم منهم فلا عهد. ثانيهما قوله:وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } [إبراهيم: 35]. وقيل: بل الأولى قوله:وَٱجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي ٱلآخِرِينَ } [الشعراء: 84] فكل أمة تعظمه، بنوه وغيرهم ممن يجتمع معه في سام أو نوح. الثالثة ـ قال ٱبن العربي: جرى ذكر العقب هاهنا موصولاً في المعنى، وذلك مما يدخل في الأحكام وترتب عليه عقود العُمْرَى والتحبيس. قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " أيُّمَا رَجُلٍ أُعْمِر عُمْرَى له ولعقِبه فإنها للذي أعطِيها لا ترجع إلى الذي أعطاها لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث " وهي تَرِد على أحد عشر لفظاً: اللفظ الأوّل ـ الولد، وهو عند الإطلاق عبارة عمن وُجد من الرجل وٱمرأته في الإناث والذكور. وعن ولد الذكور دون الإناث لغة وشرعاً ولذلك وقع الميراث على الولد المعيّن وأولاد الذكور من المعيّن دون ولد الإناث لأنه من قوم آخرين، ولذلك لم يدخلوا في الحبس بهذا اللفظ قاله مالك في المجموعة وغيرها. قلت: هذا مذهب مالك وجميع أصحابه المتقدّمين، ومن حجتهم على ذلك الإجماع على أن ولد البنات لا ميراث لهم مع قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4