الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } * { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ }

قوله تعالى: { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ } فيه مسألتان: الأولى ـ قوله تعالى: { أَوَمَن يُنَشَّأُ } أي يُرَبَّى ويَشِبّ. والنُّشوء: التربية يقال: نشأت في بني فلان نَشْئاً ونشوءاً إذا شَبَبْتَ فيهم. ونُشِّىء وأنشىء بمعنًى. وقرأ ابن عباس والضحاك وابن وَثّاب وحفص وحمزة والكسائي وخلف «يُنَشَّأ» بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين أي يربى ويَكْبَر في الحِلْية. وٱختاره أبو عبيد، لأن الإسناد فيها أعلى. وقرأ الباقون «يَنْشأ» بفتح الياء وإسكان النون، وٱختاره أبو حاتم أي يرسخ ويثبت، وأصله من نشأ أي ارتفع، قاله الهروي. فـ «ـيُنَشّأ» متعد، و «ينشأ» لازم. الثانية ـ قوله تعالى: { فِي ٱلْحِلْيَةِ } أي في الزينة. قال ابن عباس وغيره: هنّ الجواري زِيُّهن غير زيّ الرجال. قال مجاهد: رخص للنساء في الذهب والحرير وقرأ هذه الآية. قال الكيا: فيه دلالة على إباحة الحُلِيّ للنساء، والإجماع منعقد عليه والأخبار فيه لا تحصى. قلت ـ روي عن أبي هريرة أنه كان يقول لابنته: يا بنيّة، إياك والتحلّي بالذهب! فإني أخاف عليك اللهب. قوله تعالى: { وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } أي في المجادلة والإدلاء بالحجة. قال قتادة، ما تكلمت امرأة ولها حجة إلا جعلتها على نفسها. وفي مصحف عبد الله «وهو في الكلام غير مبين». ومعنى الآية: أيضاف إلى الله مَن هذا وصفه! أي لا يجوز ذلك. وقيل: المنّشأ في الحلية أصنامهم التي صاغوها من ذهب وفضة وحلّوْها قاله ابن زيد والضحاك. ويكون معنى «وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ» على هذا القول: أي ساكت عن الجواب. و «من» في محل نصب، أي اتخذوا للّه من ينشأ في الحِلية. ويجوز أن يكون رفعاً على الابتداء والخبر مضمر قاله الفرّاء. وتقديره: أومن كان على هذه الحالة يستحق العبادة. وإن شئت قلت خفض رداً إلى أوّل الكلام وهو قوله: { بِمَا ضَرَبَ } ، أو على «ما» في قوله: { مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ }. وكون البدل في هذين الموضعين ضعيف لكون ألف الاستفهام حائلة بين البدل والمبدل منه. { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً } قرأ الكوفيون «عِبَادُ» بالجمع. واختاره أبو عبيد لأن الإسناد فيها أعلى، ولأن الله تعالى إنما كذبهم في قولهم إنهم بنات الله، فأخبرهم أنهم عبيد وأنهم ليسوا ببناته. وعن ٱبن عباس أنه قرأ «عُبَّادُ الرَّحْمَنِ»، فقال سعيد بن جبير: إن في مصحفي «عبد الرحمٰن» فقال: ٱمحها واكتبها «عِبَادُ الرَّحْمَنِ». وتصديق هذه القراءة قوله تعالى:بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } [الأنبياء: 26]. وقوله تعالى:أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دُونِيۤ أَوْلِيَآءَ } [الكهف: 102]. وقوله تعالى:إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } [الأعراف: 194]. وقرأ الباقون «عند الرحمٰن» بنون ساكنة واختاره أبو حاتم.

السابقالتالي
2