الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { صِرَاطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ }

فيه أربع مسائل: الأولى ـ قوله تعالى: { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } أي وكالذي أوحينا إلى الأنبياء من قبلك أوحينا إليك { رُوحاً } أي نبوة قاله ابن عباس. الحسن وقتادة: رحمة من عندنا. السُّدّي: وحْياً. الكلبي: كتاباً. الربيع: هو جبريل. الضحاك: هو القرآن. وهو قول مالك بن دينار. وسماه روحاً لأن فيه حياةً من موت الجهل. وجعله من أمره بمعنى أنزله كما شاء على من يشاء من النظم المعجز والتأليف المعجب. ويمكن أن يحمل قوله:وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ } [الإسراء: 85] على القرآن أيضاًقُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } [الإسراء: 85] أي يسألونك من أين لك هذا القرآن، قل إنه من أمر الله أنزله عليّ معجزاً ذكره القُشَيْري. وكان مالك بن دينار يقول: يا أهل القرآن، ماذا زرع القرآن في قلوبكم؟ فإن القرآن ربيع القلوب كما أن الغيث ربيع الأرض. الثانية ـ قوله تعالى: { مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ } أي لم تكن تعرف الطريق إلى الإيمان. وظاهر هذا يدل على أنه ما كان قبل الإيحاء متصفاً بالإيمان. قال القُشَيري: وهو من مجوّزات العقول، والذي صار إليه المعظم أن الله ما بعث نبياً إلا كان مؤمناً به قبل البعثة. وفيه تحكّم، إلا أن يثبت ذلك بتوقيف مقطوع به. قال القاضي أبو الفضل عياض: وأما عصمتهم من هذا الفن قبل النبوّة فللناس فيه خلاف والصواب أنهم معصومون قبل النبوّة من الجهل بالله وصفاته والتشكك في شيء من ذلك. وقد تعاضدت الأخبار والآثار عن الأنبياء بتنزيههم عن هذه النقيصة منذ ولدوا ونشأتهم على التوحيد والإيمان، بل على إشراق أنوار المعارف ونفحات ألطاف السعادة، ومن طالع سيرهم منذ صباهم إلى مبعثهم حقق ذلك كما عُرف من حال موسى وعيسى ويحيى وسليمان وغيرهم عليهم السلام. قال الله تعالى:وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } [مريم: 12] قال المفسرون: أعطى يحيى العلم بكتاب الله في حال صباه. قال معمر: كان ابن سنتين أو ثلاث فقال له الصبيان: لمَ لا تلعب! فقال: ألِلَّعب خُلقت! وقيل في قوله:مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ } [آل عمران: 39] صدق يحيى بعيسى وهو ابن ثلاث سنين، فشهد له أنه كلمة الله وروحه. وقيل: صدقه وهو في بطن أمه فكانت أمّ يحيى تقول لمريم إني أجد ما في بطني يسجد لما في بطنك تحية له. وقد نص الله على كلام عيسى لأمه عند ولادتها إياه بقوله:أَلاَّ تَحْزَنِي } [مريم: 24] على قراءة من قرأ «مَنْ تَحْتَهَا»، وعلى قول من قال: إن المنادى عيسى ونصّ على كلامه في مهده فقال:إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً } [مريم: 30]. وقال:فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً } [الأنبياء: 79] وقد ذكر من حُكم سليمان وهو صبي يلعب في قصة المرجومة وفي قصة الصبيّ ما اقتدى به أبوه داود.

السابقالتالي
2 3 4 5