الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ لِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ } * { أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }

قوله تعالى: { لِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } فيه أربع مسائل: الأولى ـ قوله تعالى: { لِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } ابتداء وخبر. { يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } من الخلق. { يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَـٰثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ } قال أبو عبيدة وأبو مالك ومجاهد والحسن والضحاك: يهب لمن يشاء إناثاً لا ذكور معهنّ، ويهب لمن يشاء ذكوراً لا إناث معهم وأدخل الألف واللام على الذكور دون الإناث لأنهم أشرف فميزهم بسمة التعريف. وقال واثلة بن الأسقع: إن مِن يُمْن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر، وذلك أن الله تعالى قال: { يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ } فبدأ بالإناث. { أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً } قال مجاهد: هو أن تلد المرأة غلاماً ثم تلد جارية، ثم تلد غلاماً ثم تلد جارية. وقال محمد بن الحنفية: هو أن تلد تَوْأماً، غلاماً وجارية، أو يزوّجهم ذكراناً وإناثاً. قال القتبيّ: التزويج هاهنا هو الجمع بين البنين والبنات تقول العرب: زوّجت إبلي إذا جمعت بين الكبار والصغار. { وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً } أي لا يولد له يقال: رجل عقيم، وامرأة عقيم. وعَقِمَت المرأة تَعْقَم عَقْماً مثل حَمِد يَحْمَد. وعَقُمت تَعْقُم، مثل عُظم يعظم. وأصله القطع، ومنه المُلْك العقيم، أي تقطع فيه الأرحام بالقتل والعقوق خوفاً على الملك. وريح عقيم أي لا تلقح سحاباً ولا شجراً. ويوم القيامة يوم عقيم لأنه لا يوم بعده. ويقال: نساء عُقُم وعُقْم قال الشاعر:
عُقِم النساء فما يَلِدْنَ شبيهه   إن النساء بمثله عُقْمُ
وحكى النقاش أن هذه الآية نزلت في الأنبياء خصوصاً وإن عمّ حكمها. وَهَب لِلُوطٍ الإناث ليس معهنّ ذكر، ووهب لإبراهيم الذكور ليس معهم أنثى، ووهب لإسماعيل وإسحاق الذكور والإناث، وجعل عيسى ويحيى عقيمين ونحوه عن ابن عباس وإسحاق بن بشر. قال إسحاق: نزلت في الأنبياء، ثم عمت. { يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً } يعني لوطاً عليه السلام، لم يولد له ذكر وإنما ولد له ابنتان. { وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ } يعني إبراهيم عليه السلام لم يولد له أنثى بل ولد له ثمانية ذكور. { أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً } يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد له أربعة بنين وأربع بنات. { وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً } يعني يحيى بن زكريا عليهما السلام لم يذكر عيسى. ابن العربي: قال علماؤنا «يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً» يعني لوطاً كان له بنات ولم يكن له ٱبن. «وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ» يعني إبراهيم، كان له بنون ولم يكن له بنت. وقوله: { أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً } يعني آدم، كانت حوّاء تلد له في كل بطن توأمين ذكراً وأنثى، ويزوّج الذكر من هذا البطن من الأنثى من البطن الآخر، حتى أحكم الله التحريم في شرع نوح صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2 3 4