الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ حـمۤ } * { عۤسۤقۤ } * { كَذَلِكَ يُوحِيۤ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلعَظِيمُ }

قوله تعالى: { حـمۤ * عۤسۤقۤ } قال عبد المؤمن: سألت الحسين بن الفضل: لم قطع «حۤم» من «عۤـسۤـقۤ» ولم تقطع «كهيعص» و «المۤـرۤ» و «المۤـصۤ»؟ فقال: لأن «حۤـمۤ. عسق» بين سُوَرٍ أوّلها «حۤم» فجرت مجرى نظائرها قبلها وبعدها فكأن «حۤم» مبتدأ و «عۤـسۤـقۤ» خبره. ولأنها عدّت آيتين، وعدّت أخواتها اللواتي كتبت جملة آية واحدة. وقيل: إن الحروف المعجمة كلها في المعنى واحد، من حيث إنها أس البيان وقاعدة الكلام ذكره الجُرْجَانِي. وكتبت «حۤم. عَـسۤـقۤ» منفصلاً و «كهيعص» متصلاً لأنه قيل: حۤم أي حمّ ما هو كائن، ففصلوا بين ما يقدّر فيه فعل وبين ما لا يقدّر. ثم لو فُصل هذا ووُصِل ذا لجاز حكاه القُشيري. وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس «حۤم. سق» قال ابن عباس: وكان عليّ رضي الله عنه يعرف الفتن بها. وقال أرطاة بن المنذر، قال رجل لابن عباس وعنده حذيفة بن اليمان: أخبرني عن تفسير قوله تعالى: «حۤم. عَـسۤـقۤ»؟ فأعرض عنه حتى أعاد عليه ثلاثاً فأعرض عنه. فقال حذيفة بن اليمان: أنا أنبئك بها، قد عرفت لِم تركها نزلت في رجل من أهل بيته يقال له عبد الإلٰه أو عبد الله ينزل على نهر من أنهار المشرق، يبني عليه مدينتين يشق النهر بينهما شقاً، فإذا أراد الله زوال ملكهم وانقطاع دولتهم، بعث على إحداهما ناراً ليلاً فتصبح سوداءَ مظلمة، فتحترق كلها كأنها لم تكن مكانها فتصبح صاحبتها متعجبة، كيف قُلبت! فما هو إلا بياض يومها حتى يجتمع فيها كل جبار عنيد، ثم يخسف الله بها وبهم جميعاً فذلك قوله: «حۤم. عۤـسۤـقۤ» أي عزمة من عزمات الله، وفتنة وقضاء حُمّ: حۤم. «ع»: عدلاً منه، «س»: سيكون، «ق»: واقع في هاتين المدينتين. ونظير هذا التفسير ما روى جرير بن عبد الله البَجَليّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " تُبنى مدينة بين دجْلة ودُجيل وقُطْرَبُلّ والصَّراة، يجتمع فيها جبابرة الأرض تجبى إليها الخزائن يخسف بها ـ وفي رواية بأهلها ـ فَلهِيَ أسرع ذهاباً في الأرض من الوَتِد الجيّد في الأرض الرَّخوة " وقرأ ابن عباس «حۤم. سۤـقۤ» بغير عين. وكذلك هو في مصحف عبد الله بن مسعود حكاه الطبري. وروى نافع عن ابن عباس: «الحاء» حلمه، و «الميم» مجده، و «العين» علمه، و «السين» سَنَاه، و «القاف» قدرته أقسم الله بها. وعن محمد بن كعب: أقسم الله بحلمه ومجده وعلوّه وسَنَاه وقدرته ألا يُعذِّب من عاذ بلا إلٰه إلا الله مخلصاً من قلبه. وقال جعفر بن محمد وسعيد بن جبير: «الحاء» من الرحمٰن، و «الميم» من المجيد، و «العين» من العليم، و «السين» من القدّوس، و «القاف» من القاهر.

السابقالتالي
2