الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلْجَوَارِ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ } * { إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }

قوله تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلْجَوَارِ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ } أي ومن علاماته الدالة على قدرته السفنُ الجارية في البحر كأنها من عظمها أعلام. والأعلام: الجبال، وواحد الجواري جارية، قال الله تعالى:إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي ٱلْجَارِيَةِ } [الحاقة: 11]. سُمّيت جارية لأنها تجري في الماء. والجارية: هي المرأة الشابة سُميت بذلك لأنها يجري فيها ماء الشباب. وقال مجاهد: الأعلام القصور، واحدها علم ذكره الثعلبي. وذكر الماوَرْدي عنه أنها الجبال. وقال الخليل: كل شيء مرتفع عند العرب فهو علم. قالت الخنساء ترثي أخاها صخراً:
وإنّ صخراً لتأتمّ الهُداة به   كأنه علَمٌ في رأسه نار
«إِن يشَأْ يُسْكِنِ الرِّيَاحَ»كذا قرأه أهل المدينة «الرِّيَاح» بالجمع. { فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ } أي فتبقى السفن سواكن على ظهر البحر لا تجري. رَكَد الماء ركوداً سكن. وكذلك الريح والسفينة، والشمس إذا قام قائم الظهيرة. وكّل ثابت في مكان فهو راكد. وركد الميزان ٱستوى. ورَكد القوم هَدءوا. والمراكد: المواضع التي يَرْكُد فيها الإنسان وغيره. وقرأ قتادة «فَيَظْلِلْنَ» بكسر اللام الأولى على أن يكون لغة، مثلُ ضَلِلت أضِل. وفتح اللام وهي اللغة المشهورة. { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ } أي دلالات وعلامات { لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } أي صبار على البَلْوَى شكور على النعماء. قال قُطْرُب: نعم العبد الصبار الشكور، الذي إذا أعطِي شكر وإذا ٱبْتُلي صبر. قال عَوْن بن عبد الله: فكم من مُنْعَم عليه غير شاكر، وكم من مبتلى غير صابر.