الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } * { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

قوله تعالى: { وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } قرأ نافع وابن عامر «بمَا كَسَبَتْ» بغير فاء. الباقون «فَبِمَا» بالفاء، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم للزيادة في الحرف والأجر. قال المهدَوِيّ: إن قدرت أن «ما» الموصولة جاز حذف الفاء وإثباتها، والإثبات أحسن. وإن قدرتها التي للشرط لم يجز الحذف عند سيبويه، وأجازه الأخفش واحتج بقوله تعالى:وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } [الأنعام: 121]. والمصيبة هنا الحدود على المعاصي قاله الحسن. وقال الضحاك: ما تعلّم رجل القرآن ثم نسيه إلا بذنب قال الله تعالى: { وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } ثم قال: وأيّ مصيبة أعظم من نسيان القرآن ذكره ابن المبارك عن عبد العزيز بن أبي روّاد. قال أبو عبيد: إنما هذا على الترك، فأما الذي هو دائب في تلاوته حريص على حفظه إلا أن النسيان يغلبه فليس من ذلك في شيء. ومما يحقق ذلك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان ينسى الشيء من القرآن حتى يذكره من ذلك حديث عائشة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: سمع قراءة رجل في المسجد فقال: " ما له رحمه الله! لقد أذكرني آيات كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا " وقيل: «ما» بمعنى الذي، والمعنى الذي أصابكم فيما مضى بما كسبت أيديكم. وقال عليّ رضي الله عنه: هذه الآية أرجى آية في كتاب الله عز وجل. وإذا كان يكفّر عني بالمصائب ويعفو عن كثير فما يبقى بعد كفارته وعفوه! وقد روى هذا المعنى مرفوعاً عنه رضي الله عنه، " قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: ألاَ أخبركم بأفضل آية في كتاب الله حدّثنا بها النبي صلى الله عليه وسلم { وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } الآية: «يا عليّ ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبِما كسبت أيديكم. والله أكرم من أن يثني عليكم العقوبة في الآخرة وما عفا عنه في الدنيا فالله أحلم من أن يعاقب به بعد عفوه» " وقال الحسن: لما نزلت هذه الآية قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " ما من اختلاج عِرْق ولا خَدْش عُود ولا نكبة حجر إلاّ بذنب ولما يعفو الله عنه أكثر " وقال الحسن: دخلنا على عمران بن حُصين فقال رجل: لا بد أن أسألك عما أرى بك من الوجع فقال عمران: يا أخي لا تفعل! فوالله إني لأحِبّ الوجع ومن أحبه كان أحبّ الناس إلى الله، قال الله تعالى: { وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } فهذا مما كسبت يدي، وعَفْوُ ربي عما بقي أكثر.

السابقالتالي
2