الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَاطِلَ وَيُحِقُّ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

قوله تعالى: { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } الميم صلة، والتقدير أيقولون افترى. واتصل الكلام بما قبلُ لأن الله تعالى لما قال:وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَابٍ } [الشورى: 15]، وقال:ٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ } [الشورى: 17] قال إتماماً للبيان: «أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً» يعني كفار قريش قالوا: إنّ محمداً اختلق الكذب على الله. { فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ } شرط وجوابه. { عَلَىٰ قَلْبِكَ } قال قتادة: يطبع على قلبك فينسيك القرآن فأخبرهم الله أنه لو افترى عليه لفعل بمحمد ما أخبرهم به في هذه الآية. وقال مجاهد ومقاتل: «إِنْ يَشَإِ اللَّهُ» يربط على قلبك بالصبر على أذاهم حتى لا يدخل قلبك مشقة من قولهم. وقيل: المعنى إن يشأ يزل تمييزك. وقيل: المعنى لو حدّثت نفسك أن تفتري على الله كذباً لطبع على قلبك قاله ابن عيسى. وقيل: فإن يشإِ الله يختم على قلوب الكفار وعلى ألسنتهم وعاجلهم بالعقاب. فالخطاب له والمراد الكفار ذكره القشيري. ثم ابتدأ فقال: { وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَاطِلَ } قال ٱبن الأنباري: «يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ» تام. وقال الكسائي: فيه تقديم وتأخير مجازه: والله يمحو الباطل فحذف منه الواو في المصحف، وهو في موضع رفع. كما حُذفت من قوله:سَنَدْعُو ٱلزَّبَانِيَةَ } [العلق: 18]،وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ } [الإسراء: 11] ولأنه عطف على قوله: «يَخْتمْ عَلَى قَلْبِكَ». وقال الزجاج: قوله:أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } [الشورى: 24] تمام وقوله: { وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَاطِلَ } احتجاج على من أنكر ما أتى به النبيّ صلى الله عليه وسلم أي لو كان ما أتى به باطلاً لمحاه كما جرت به عادته في المفترين. { وَيُحِقُّ ٱلْحَقَّ } أي الإسلام فيثبته { بِكَلِمَاتِهِ } أي بما أنزله من القرآن. { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } عام، أي بما في قلوب العباد. وقيل خاص. والمعنى أنك لو حدّثت نفسك أن تفتري على الله كذباً لعلِمه وطبع على قلبك.