الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ }

قوله تعالى: { ذَلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } قرىء «يُبَشِّر» من بَشّره، و «يُبْشِر» من أبشره، و «يَبْشُر» من بَشَره، وفيه حذف أي يبشر الله به عباده المؤمنين ليتعجلوا السرور ويزدادوا منه وجداً في الطاعة. قوله تعالى: { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } فيه مسألتان: الأولى ـ قوله تعالى: { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً } أي قل يا محمد لا أسألكم على تبليغ الرسالة جعلاً. { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } قال الزجاج: «إِلاَّ الْمَوَدَّةَ» استثناء ليس من الأول أي إلا أن تَوَدُّوني لقرابتي فتحفظوني. والخطاب لقريش خاصَّةً قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد وأبو مالك والشعبيّ وغيرهم. قال الشعبيّ: أكْثَرَ الناس علينا في هذه الآية فكتبنا إلى ابن عباس نسأله عنها فكتب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أوسط الناس في قريش، فليس بَطْنٌ من بطونهم إلا وقد وَلَدَه فقال الله له: { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } إلا أن تَوَدُّوني في قرابتي منكم أي تراعوا ما بيني وبينكم فتصدّقوني. فـ «ـالْقُرْبَى» هاهنا قرابة الرَّحِم كأنه قال: اتبعوني للقرابة إن لم تتبعوني للنبوّة. قال عكرمة: وكانت قريش تَصِل أرحامها فلما بُعث النبيّ صلى الله عليه وسلم قطعته فقال: " صِلُوني كما كنتم تفعلون " فالمعنى على هذا: قل لا أسألكم عليه أجراً لكن أذكّركم قرابتي على استثناء ليس من الأوّل ذكره النحاس. وفي البخاريّ عن طاوس عن ابن عباس أنه سئل عن قوله تعالى: { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } فقال سعيد بن جُبير: قربى آل محمد فقال ابن عباس: عجِلت! إن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال: إلا أن تصِلوا ما بينكم من القرابة. فهذا قول. وقيل: القربى قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم، أي لا أسألكم أجراً إلا أن تَودّوا قرابتي وأهل بيتي، كما أمر بإعظامهم ذوي القربى. وهذا قول علي بن حسين وعمرو بن شعيب والسُّدّي. وفي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس: " لما أنزل الله عز وجل: { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } قالوا: يا رسول الله، من هؤلاء الذين نَوَدُّهم؟ قال: «عليّ وفاطمة وأبناؤهما» " ويدل عليه أيضاً ما روي " عن عليّ رضي الله عنه قال: شكوت إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم حسد الناس لي. فقال: «أما ترضى أن تكون رابعَ أربعة أوّل من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذرّيتنا خلف أزواجنا» " وعن النبي صلى الله عليه وسلم: " حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عِتْرَتي ومن ٱصطنع صنيعة إلى أحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها فأنا أجازيه عليها غداً إذا لقيني يوم القيامة "

السابقالتالي
2 3