الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ }

قوله تعالى: { ٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ } يعني القرآن وسائر الكتب المنزلة. { بِٱلْحَقِّ } أي بالصدق. { وَٱلْمِيزَانَ } أي العدل قاله ابن عباس وأكثر المفسرين. والعدل يسمى ميزاناً لأن الميزان آلة الإنصاف والعدل. وقيل: الميزان ما بيّن في الكتب مما يجب على الإنسان أن يعمل به. وقال قتادة: الميزان العدل فيما أمر به ونهى عنه. وهذه الأقوال متقاربة المعنى. وقيل: هو الجزاء على الطاعة بالثواب وعلى المعصية بالعقاب. وقيل: إنه الميزان نفسه الذي يوزن به، أنزله من السماء وعلّم العباد الوزن به لئلا يكون بينهم تظالم وتباخس قال الله تعالى:لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ } [الحديد: 25]. قال مجاهد: وهو الذي يوزن به. ومعنى أنزل الميزان هو إلهامه للخلق أن يعملوه ويعملوا به. وقيل: الميزان محمد صلى الله عليه وسلم، يقضي بينكم بكتاب الله. { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } فلم يخبره بها. يحضه على العمل بالكتاب والعدل والسويّة، والعمل بالشرائع قبل أن يفاجىء اليوم الذي يكون فيه المحاسبة ووزن الأعمال، فيوفّى لمن أوفى ويطفّف لمن طفف. فـ «لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ» أي منك وأنت لا تدري. وقال: «قَرِيبٌ» ولم يقل قريبة لأن تأنيثها غير حقيقي لأنها كالوقت قاله الزجاج. والمعنى: لعل البعث أو لعل مجيء الساعة قريب. وقال الكسائي: «قَرِيبٌ» نعت يُنعت به المذكر والمؤنث والجمع بمعنًى ولفظٍ واحد قال الله تعالى:إِنَّ رَحْمَةَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [الأعراف: 56]. قال الشاعر:
وكنا قريباً والديار بعيدة   فلما وصلنا نُصْب أعينهم غبنا