الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } * { مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لِّلْعَبِيدِ }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ } يعني التوراة { فَٱخْتُلِفَ فِيهِ } أي آمن به قوم وكذب به قوم. والكناية ترجع إلى الكتاب، وهو تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم أي لا يحزنك اختلاف قومك في كتابك، فقد اختلف من قبلهم في كتابهم. وقيل: الكناية ترجع إلى موسى. { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ } أي في إمهالهم. { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } أي بتعجيل العذاب. { وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ } من القرآن { مُرِيبٍ } أي شديد الريبة. وقد تقدّم. وقال الكلبي في هذه الآية: لولا أن الله أخّر عذاب هذه الأمة إلى يوم القيامة لأتاهم العذاب كما فعل بغيرهم من الأمم. وقيل: تأخير العذاب لما يخرج من أصلابهم من المؤمنين. قوله تعالى: { مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ } شرط وجوابه وكذا { وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا }. والله جل وعز مستغن عن طاعة العباد، فمن أطاع فالثواب له، ومن أساء فالعقاب عليه. { وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } نَفَى الظلم عن نفسه جل وعز قليله وكثيره، وإذا انتفت المبالغة انتفى غيرها، دليله قوله الحق:إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ ٱلنَّاسَ شَيْئاً } [يونس: 44] وروى العدول الثقات، والأئمة الأثبات، عن الزاهد العدل، عن أمين الأرض، عن أمين السماء، عن الرب جل جلاله: " يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما فلا تظالموا " الحديث. وأيضاً فهو الحكيم المالك، وما يفعله المالك في ملكه لا اعتراض عليه إذ له التصرف في ملكه بما يريد.