الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِيۤ آمِناً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } * { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } * { مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ آيَاتِنَا } أي يميلون عن الحق في أدلتنا. والإلحاد: الميل والعدول. ومنه اللحد في القبر لأنه أميل إلى ناحية منه. يقال: ألحد في دين الله أي حاد عنه وعدل. ولَحَد لغة فيه. وهذا يرجع إلى الذين قالوا:لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ } [فصلت: 26] وهم الذين ألحدوا في آياته ومالوا عن الحق فقالوا: ليس القرآن من عند الله، أو هو شعر أو سحر فالآيات آيات القرآن. قال مجاهد: «يُلْحِدُونَ في آيَاتِنَا» أي عند تلاوة القرآن بالمُكَاءِ والتَّصْدِيةِ واللَّغو والغِناء. وقال ابن عباس: هو تبديل الكلام ووضعه في غير موضعه. وقال قتادة: «يُلْحِدُونَ في آيَاتِنَا» يكذبون في آياتنا. وقال السدي: يعاندون ويشاقون. وقال ابن زيد: يشركون ويكذبون. والمعنى متقارب. وقال مقاتل: نزلت في أبي جهل. وقيل: الآيات المعجزات، وهو يرجع إلى الأوّل فإن القرآن معجز. { أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي ٱلنَّارِ } على وجهه وهو أبو جهل في قول ابن عباس وغيره. { خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِيۤ آمِناً } قيل: النبي صلى الله عليه وسلم قاله مقاتل. وقيل: عثمان. وقيل: عمار بن ياسر. وقيل: حمزة. وقيل: عمر بن الخطاب. وقيل: أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي. وقيل: المؤمنون. وقيل: إنها على العموم فالذي يلقى في النار الكافر، والذي يأتي آمناً يوم القيامة المؤمن قاله ابن بحر. { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } أمر تهديد أي بعد ما علمتم أنهما لا يستويان فلا بد لكم من الجزاء. { إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } وعيد بتهديد وتوعد. قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ } الذكر هاهنا القرآن في قول الجميع لأن فيه ذكر ما يحتاج إليه من الأحكام. والخبر محذوف تقديره هالكون أو معذَّبون. وقيل: الخبرأُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } [فصلت: 44] واعترض قوله: «مَا يُقَالُ لَكَ» ثم رجع إلى الذكر فقال:وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً } [فصلت: 44] ثم قال: «أولَئِكَ يُنَادَونَ» والأوّل الاختيار قال النحاس: عند النحويين جميعاً فيما علمت. { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } أي عزِيز على الله قاله ابن عباس وعنه: عزيز من عند الله. وقيل: كريم على الله. وقيل: «عَزِيزٌ» أي أعزه الله فلا يتطرّق إليه باطل. وقيل: ينبغي أن يعز ويُجلّ وألا يلغى فيه. وقيل: «عَزِيزٌ» من الشيطان أن يبدّله قاله السدي. مقاتل: منع من الشيطان والباطل. السدي: غير مخلوق فلا مثل له. وقال ابن عباس أيضاً: «عَزِيزٌ» أي ممتنع عن الناس أن يقولوا مثله. { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } أي لا يكذبه شيء مما أنزل الله من قبل ولا ينزل من بعده كتاب يبطله وينسخه قاله الكلبي. وقال السدي وقتادة: «لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ» يعني الشيطان { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } لا يستطيع أن يغيّر ولا يزيد ولا ينقص.

السابقالتالي
2