الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } * { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } * { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

قوله تعالى: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً } هذا توبيخ للذين تواصَوْا باللغو في القرآن. والمعنى: أيّ كلام أحسن من القرآن، ومن أحسن قولاً من الداعي إلى الله وطاعته وهو محمد صلى الله عليه وسلم. قال ابن سيرين والسدي وابن زيد والحسن: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان الحسن إذا تلا هذه الآية يقول: هذا رسول الله، هذا حبيب الله، هذا وليّ الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا والله أحب أهل الأرض إلى الله أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب إليه. وقالت عائشة رضي الله عنها وعكرمة وقيس بن أبي حازم ومجاهد: نزلت في المؤذّنين. قال فضيل بن رفيدة: كنت مؤذناً لأصحاب عبد الله بن مسعود، فقال لي عاصم بن هبيرة: إذا أذّنت فقلت: الله أكبر الله أكبر لا إلٰه إلا الله، فقل وأنا من المسلمين ثم قرأ هذ الآية قال ابن العربي الأول أصح لأن الآية مكية والأذان مدني وإنما يدخل فيها بالمعنى لا أنه كان المقصود وقت القول، ويدخل فيها أبو بكر الصدّيق حين قال في النبيّ صلى الله عليه وسلم وقد خنقه الملعونأَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ } [غافر: 28] وتتضمن كل كلام حسن فيه ذكر التوحيد والإيمان. قلت: وقول ثالث وهو أحسنها قال الحسن: هذه الآية عامة في كل من دعا إلى الله. وكذا قال قيس بن أبي حازم قال: نزلت في كل مؤمن. قال: ومعنى «وَعَمِلَ صَالِحاً» الصلاة بين الأذان والإقامة. وقاله أبو أمامة قال: صلى ركعتين بين الأذان والإقامة. وقال عكرمة: «وَعَمِلَ صَالِحَاً» صلّى وصام. وقال الكلبي: أدى الفرائض. قلت: وهذا أحسنها مع اجتناب المحارم وكثرة المندوب. والله أعلم. { وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } قال ابن العربي: وما تقدّم يدل على الإسلام، لكن لما كان الدعاء بالقول والسيف يكون للاعتقاد ويكون للحجة، وكان العمل يكون للرياء والإخلاص، دل على أنه لا بدّ من التصريح بالاعتقاد لله في ذلك كله، وأن العمل لوجهه. مسألة: لما قال الله تعالى: { وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } ولم يقل له اشترط إن شاء الله، كان في ذلك رد على من يقول أنا مسلم إن شاء الله. قوله تعالى: { وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ } قال الفراء: «لاَ» صلة أي «وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ والسَّيِّئَةُ» وأنشد:
ما كان يَرْضَى رسولُ اللَّهِ فِعْلَهُمُ   والطَّيِّبانِ أبو بكر ولا عمرُ
أراد أبو بكر وعمر أي لا يستوي ما أنت عليه من التوحيد، وما المشركون عليه من الشرك. قال ابن عباس: الحسنة لا إلٰه إلا الله، والسيئة الشرك. وقيل: الحسنة الطاعة، والسيئة الشرك.

السابقالتالي
2 3