الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } * { نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ } * { نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } قال عطاء عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه وذلك أن المشركين قالوا ربُّنا الله والملائكة بناته وهؤلاء شفعاؤنا عند الله فلم يستقيموا. وقال أبو بكر: ربُّنا الله وحده لا شريك له ومحمد صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله فاستقام. وفي الترمذي عن أنس بن مالك: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } قال: «قد قال الناس ثم كفر أكثرهم فمن مات عليها فهو ممن استقام» " قال: حديث غريب. ويروى في هذه الآية عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ معنى { ٱسْتَقَامُواْ } ففي صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفيّ قال: قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك ـ وفي رواية ـ غيرك. قال: " قل آمنت بالله ثم استقم " زاد الترمذي قلت: يا رسول الله ما أخوف ما تخاف عليّ؟ فأخذ بلسان نفسه وقال: «هذا». وروي عن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه أنه قال: { ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } لم يشركوا بالله شيئاً. وروى عنه الأسود بن هلال أنه قال لأصحابه: ما تقولون في هاتين الآيتين { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } وٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } [الأنعام: 82] فقالوا: استقاموا فلم يذنبوا ولم يلبسوا إيمانهم بخطيئة فقال أبو بكر: لقد حملتموها على غير المحمل { قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } فلم يلتفتوا إلى إلٰه غيره { وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ } بشرك { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ }. وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر وهو يخطب: { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } فقال: استقاموا والله على الطريقة لطاعته ثم لم يَرغُوا روغان الثعالب. وقال عثمان رضي الله عنه: ثم أخلصوا العمل لله. وقال عليّ رضي الله عنه: ثم أدوا الفرائض. وأقوال التابعين بمعناها. قال ابن زيد وقتادة: استقاموا على الطاعة لله. الحسن: استقاموا على أمر الله فعملوا بطاعته واجتنبوا معصيته. وقال مجاهد وعكرمة: استقاموا على شهادة أن لا إلٰه إلا الله حتى ماتوا. وقال سفيان الثوري: عملوا على وِفاق ما قالوا. وقال الربيع: أعرضوا عما سوى الله. وقال الفضيل بن عياض: زهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية. وقيل: استقاموا إسراراً كما استقاموا إقراراً. وقيل: استقاموا فعلاً كما استقاموا قولاً. وقال أنس: لما نزلت هذه الآية قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " هم أمتي وربِّ الكعبة " وقال الإمام ابن فُورك: السين سين الطلب مثل استسقى أي سألوا من الله أن يثبتهم على الدين.

السابقالتالي
2